كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

أوزعني بفتح الياء التي أنعمت أي أنعمتها وأصله أنعمت بها إلا أنه اعتبر الحذف والايصال لفقد شرط حذف العائد المجرور وهو أن يكون مجرورا بمثل ما جر به الموصول لفظا ومعنى متعلقا ومن لايقول باطراد ذلك لايعتبر ما ذكر ولا أرى فيه بأسا علي وعلى والدي أدرج ذكر والديه تكثيرا للنعمة فان الانعام عليهما انعام عليه من وجه مستوجب للشكر أو تعميما لها فان النعمة عليه عليه السلام يرجع نفعها اليهما والفرق بين الوجهين ظاهر واقتصر على الثاني في الكشاف وهو أوفق بالشكر وكون الدعاء المذكور بعد وفاة والديه عليهما السلام قطعا ورجح الأول بأنه أوفق بقوله تعالى أعملوا آل داود شكرا بعد قوله سبحانه ولقد آتينا داود منا فضلا الخ وقوله ولسليمان الريح الخ فتدبر فانه دقيق وأن أعمل صالحا عطف على أن أشكر فيكون عليه السلام قد طلب جعله مداوما على عمل العمل الصالح أيضا وكأنه عليه السلام أراد بالشكر الشكر باللسان المستلزم للشكر بالجنان وأردفه بما ذكر تتميما له لأن عمل الصالح شكر بالاركان وفي البحر أنه عليه السلام سأل أولا شيئا خاصا وهو شكر النعمة وثانيا عاما وهو عمل الصالح وقوله تعالى : ترضيه قيل صفة مؤكدة أو مخصصة ان أريد به كمال الرضا واختير كونه صفة مخصصة والمراد بالرضا القبول وهو ليس من لوازم العمل الصالح أصلا لاعقلا ولا شرعا وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين
91
- أي جملتهم
والكلام عن الزمخشري كناية عن جعله من أهل الجنة وقدر بعضهم الجنة مفعولا ثانيا لأدخلني وعلى كونه كناية لاحاجة إلى التقدير والداعي لأحد الأمرين على ما قيل دفع التكرار مع ما قبل لأنه إذا عمل عملا صالحا كان من الصالحين البتة إذ لامعنى للصالح الا العامل عملا صالحا وأردف طلب المداومة على عمل الصالح بطلب ادخاله الجنة لعدم استلزام العمل الصالح بنفسه ادخال الجنة ففي الخبر لن يدخل أحدكم الجنة عمله قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمته وكأن في ذكر برحمتك في هذا الدعاء إشارة الى ذلك
ولا يأبى ما ذكر قوله تعالى تلك الجنة التي اورثتموها بما كنتم تعملون لأن سببية العمل للايراث برحمة الله تعالى
وقال الخفاجي : لك أن تقول أنه عليه السلام عد نفسه غير صالح تواضعا فلا يحتاج إلى التقدير ولا إلى نظم الكلام في سلك الكناية ولا يخفى أن هذا لايدفع السؤال باغناء الدعاء بالمداومة على عمل الصالح عنه
وقيل : المراد أن يجعله سبحانه في عداد الأنبياء عليهم السلام ويثبت اسمه مع أسمائهم ولا يعزله عن منصب النبوة الذي هو منحة الهية لاتنال بالاعمال ولذا ذكر الرحمة في البين ونقل الطبرسي عن ابن عباس ما يلوح بهذا المعنى
وقيل : المراد ادخلني في عداد الصالحين واجعلني أذكر معهم إذا ذكروا وحاصله طلب الذكر الجميل الذي لايستلزمه عمل الصالح إد قد يتحقق من شخص في نفس الأمر ولا يعده الناس في عداد الصالحين وفي هذا الدعاء شمة من دعاء إبراهيم عليه السلام واجعل لي لسان صدق في الآخرين ومقاصد الأنبياء في مثل ذلك أخروية وقيل : يحتمل أنه أراد بعمل الصالح القيام بحقوق الله عز و جل وأراد بالصلاح في قوله في عبادك الصالحين القيام بحقوقه تعالى وحقوق عباده فيكون من قبيل التعميم بعد التخصيص وتعيين ما هو الأولى من هذه الأقوال مفوض إلى فكرك والله تعالى الهادي وكان دعاؤه عليه السلام على ما في بعض الآثار بعد

الصفحة 181