كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

ذبحذبح البهائم والطيور للأكل وغيره من المنافع وإذا سخر له الطير ولم يتم ما سخر من أجله إلا بالتأديب والسياسة جاز أن يباح له ما يستصطلح به وفي الاكليل للجلال السيوطي قد يستدل بالآية على جواز تأديب الحيوانات والبهائم بالضرب عند تقصيرها في المشي أو اسراعها أو نحو ذلك وعلى جواز نتف ريش الحيوان لمصلحة بناء على أن المراد بالتعذيب المذكور نتف ريشه
وذكر فيه أن ابن العربي استدل بها على أن العذاب على قدر الذنب لاعلى قدر الجسد وعلى أن الطير كانوا مكلفين إذ لايعاقب على ترك فعل إلا من كلف به أه فلا تغفل أو لأذبحنه كالترقي من الشديد إلى الأشد فان في الذبح تجريع كأس المنية وقد قيل :
كل شيء دون المنية سهل
أو ليأتيني بسلطان مبين
12
- أي بحجة تبين عذره في غيبته وما ألطف التعبير بالسلطان دون الحجة هنا لما أن ما أتى به من العذر أنجر إلى الاتيان ببلقيس وهي سلطان ثم أن هذا الشق وان قرن بحرف القسم ليس مقسما عليه في الحقيقة وإنما المقسم عليه حقيقة الأولان وأدخل هذا في سلكهما للتقابل وهذا كما في الكشف نوع من التغليب لطيف المسلك ومآل كلامه عليه السلام ليكونن أحد الأمور على معنى إن كان الاتيان بالسلطان لم يكن تعذيب ولا ذبح وإن لم يكن كان أحدهما فاو في الموضعين للترديد وقيل : هي في الأول للتخيير بين التعذيب والذبح وفي الثاني للترديد بينهما وبين الاتيان بالسلطان وهو كما ترى
وزعم بعضهم أنها في الأول للتخيير وفي الثاني بمعنى إلا وفيه غفلة عن لام القسم وجوز أن تكون الأمور الثلاثة مقسما عليها حقيقة وصح قسمه عليه السلام على الاتيان المذكور لعلمه بالوحي أنه سيكون أو غلبة ظنه بذلك لأمر قام عنده يفيدها وإلا فالقسم على فعل الغير في المستقبل من دون علم أو غلبة ظن به لايكاد يسوغ في شريعة من الشرائع وتعقب بأن قوله سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ينافي حصول العلم وما حكاه له ودفع المنافاة بانه يجوز أن يأتي بحجة لايعلم سليمان عليه السلام ولايظن صدقها وكذبها غير سديد إذ قوله مبين يأباه وبالجملة الوجه ما ذكر أولا فتأمل وقرأ عيسى بن عمر لياتين بنون مشددة مفتوحة بغير ياء وكتب في الامام لاأذبحه بزيادة ألف بين الذال والالف المتصلة باللام ولايعلم وجهه كاكثر ماجاء فيه مما يخالف الرسم المعروف وقيل : هو التنبيه على أن الذبح لم يقع
وقال ابن خلدون في مقدمة تأريخه : إن الكتابة العربية كانت في غاية الاتقان والجودة في حمير ومنهم تعلمها مضر الا أنهم لم يكونوا مجيدين لبعدهم عن الحضارة وكان الخط العربي أول الاسلام غير بالغ الى الغاية من الاتقان والجودة وإلى التوسط لمكان العرب من البداوة والتوحش وبعدهم عن الصنائع وما وقع في رسم المصحف من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الرسوم المخالفة لما اقتضته أقيسة رسوم الخط وصناعته عند أهلها كزيادة الألف في لأأذبحنه من قلة الاجادة لصنعة الخط واقتفاء السلف رسمهم ذلك من باب التبرك وتوجيه بعض المغفلين تلك المخالفة بما وجهه بها ليس بصحيح والداعي له إلى ذلك تنزيه الصحابة عن النقص لما زعم أن الخط كمال ولم يتفطن لأن الخط من جملة الصنائع المدنية المعاشية وذلك ليس بكمال في حقهم إد الكمال في الصنائع إضافي وليس بكمال مطلق إد لايعود نقصه على الدات في الدين ونحوه وإنما يعود على أسباب المعاش وقد كان النبي عليه الصلاة و السلام أميا وكان ذلك كمالا في حقه وبالنسبة إلى مقامه عليه الصلاة و السلام ومثل الأمية تنزهه عليه الصلاة و السلام عن الصنائع العملية التي هي أسباب المعاش والعمران ولا يعد

الصفحة 184