كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

ذلك كمالا في حقنا إذ هو صلى الله عليه و سلم منقطع إلى ربه عز و جل ونحن متعاونون على الحياة الدنيا ومن هنا قال عليه الصلاة و السلام : أنتم أعلم بأمور دنياكم انتهى ملخصا
وأنت تعلم أن كون زيادة الألف في لاأذبحنه لقلة اجادتهم رضي الله تعالى عنهم صنعة الكتابة في غاية البعد وتعليل ذلك بما تقدم من التنبيه على عدم وقوع الذبح كذلك وإلا لزادوهافي لأعذبنه لأن التعذيب لم يقع أيضا وما أشار اليه من أن الاجادة في الخط ليس بكمال في حقهم ان أراد به أن تحسين الخط واخراجه على صورة متناسبة يستحسنها الناظر وتميل اليها النفوس كسائر النقوش المستحسنة ليس بكمال في حقهم ولايضر بشأنهم فقده فمسلم لكن هذا شيء وما نحن فيه شيء وإن أراد به أن الاتيان بالخط على وجه المعروف عند أهله من وصل ما يصلونه وفصل ما يفصلونه ورسم ما يرسمونه وترك ما يتركونه ليس بكمال فهذا محل بحث ألا ترى أنه لايعترض على العالم بقبح الخط وخروجه عن الصورة الحسنة والهيآت المستحسنة ويعترض عليه بوصل ما يفصل وفصل ما يوصل ورسم مالايرسم وعدم رسم ما يرسم ونحو ذلك إن لم يكن ذلك لنكتة
والظأهر أن الصحابة الذين كتبوا القرآن كانوا متقنين رسم الخط عارفين ما يقتضي أن يكتب وما يقتضي أن لايكتب وما يقتضي أن يوصل وما يقتضي أن لايوصل الى غير ذلك لكن خالفوا القواعد في بعض المواضع لحكمة ويستأنس لذلك بما أخرجه ابن الأنباري في كتابه التكملة عن عبد الله بن فروخ قال : قلت لابن عباس يا معشر قريش أخبروني عن هذا الكتاب العربي هل كنتم تكتبونه قبل ان يبعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه و سلم تجمعون منه ما أجتمع وتفرقون منه ما افترق مثل الألف واللام والنون قال : نعم قلت : وممن أخذتموه قال : من حرب بن أمية قلت : وممن أخذه حرب قال : من عبد الله بن جدعان قلت : وممن أخذه عبد الله بن جدعان قال : من أهل الأنبار قلت : وممن أخذه أهل الأنبار قال : من طار طرأ عليهم من أهل اليمن قلت : وممن أخذ ذلك الطاريء قال : من الخلجان ن القسم كاتب الوحي لهود النبي عليه السلام وهو الذي يقول : في كل عام سنة تحدثونها ورأي على غير الطريق يعبر وللموت خير من حياة تسبنا بهاجرهم فيمن يسب وحمير انتهى وفي كتاب محاصرة الأوائل ومسامرة الأواخر أن أول من اشتهر بالكتابة في الاسلام من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم والظاهر أنهم لم يشتهروا بذلك الا لاصابتهم فيها والقول بأن هؤلاء الأجلة وسائر الصحابة لم يعرفوا مخالفة رسم الألف هنا لما يقتضيه قوانين أهل الخط وكذا سائر ما وقع من المخالفة مما لا يقدم عليه من له أدنى أدب وانصاف
ومثل هذا القول بانه يحتمل أنه عرف ذلك من عرف منهم إلا أنه ترك تغييره إلى الموافق للقوانين أو وافقه على الغلط للتبرك ومن الناس من جوز أن يكون ما وقع من الصحابة من الرسم المخالف بسبب قلة مهارة من أخذوا عنه صنعة الخط فيكون هو الذي خالف في مثل ذلك ولم يعلموا أنه خالف فالقصور إن كان ممن أخذوا عنه واما هم فلا قصور فيهم إذ لم يخلوا بالقواعد التي أخذوها واخلالهم بقواعد لم تصل اليهم ولم يعلموا بها

الصفحة 185