كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وقرأ ابن محيصن باغام حقيقي واعترض أبن الحاجب القراءة الأولى بان الاطباق وهو رفع اللسان إلى ما يحاذيه من الحنك للتصويت بصوت الحرف المخرج لايستقيم سلا بنفس الحرف وهو الطاء هنا والادغام يقتضي ابدالها تاء وهو ينافي وجود ذلك لأنه يقتضي ان تكون موجودة وغير موجودة وهو تناقض فالتحقيق ان نحو احطت بالاطباق ليس فيه ادغام ولكنه لما امكن النطق بالثاني مع الأول من غير ثقل على اللسان كان كالنطق بالمثل بعد المثل فاطلق عليه الادغام توسعا قاله الطيبي وفي النشر أن التاء تدغم في الطاء في قوله تعالى : أقم الصلاة طرفي النهار وفي التسهيل انه إذا ادغم المطبق يجوز ابقاء الاطباق وعدمه وقال سيبويه : كل كلام عربي كذا الحواشي الشهابية فتأمل
وفي قوله تعالى أحطت الخ دليل باشارة النص والادماج على بطلان قول الرافضة إن الامام ينبغى ان لايخفى عليه شيء من الجزئيات ولا يخفى أنهم إن عنوا بذلك أنه يجب أن يكون الامام عالما على التفصيل بأحكام جميع الحوادث الجزئية التي يمكن وقوعها وأن يكون مستحضرا الجواب الصحيح عن كل ما يسأل عنه فبطلان كلامهم في غاية الظهور وقد سئل علي كرم الله تعالى وجهه وهو على منبر الكوفة عن مسألة فقال : لا أدري فقال السائل : ليس مكانك هذا مكان من يقول : لا أدري فقال الامام كرم الله تعالى وجهه بلى والله هذا مكان من يقول لاأدري وأما من لايقول ذلك فلا مكان له يعني به الله عز و جل وإن عنوا أنه يجب أن يكون عالما بجميع القواعد الشرعية وبكثير من الفروع الجزئية لتلك القواعد بحيث لو حدثت حادثة ولا يعلم حكمها يكون متمكنا من استنباط الحكم فيها على الوجه الصحيح فذاك حق وهو في معنى قول الجماعة يجب أن يكون الامام مجتهدا وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله وقوله تعالى : إني وجدت امرأة تملكهم أي تتصرف بهم ولا يعترض عليها أحد استئناف لبيان ما جاء به من النبأ وتفصيل له إثر إجمال وعنى بهذ المرأة بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن ريان من نسل يعرب بن قحطان ويقال : من نسل تبع الحميري
وروى ابن عساكر عن الحسن أن اسم هذه المرأة ليلى وهو خلاف المشهور وقيل : اسم أبيها السرح بن الهداهد
ويحكى أن كان أبوها ملك أرض اليمن كلها وورث الملك من أربعين أبا ولم يكن له ولد غيرها فغلبت بعده على الملك ودانت لها الأمة وفي بعض الآثار انه لما مات أبوها طمعت في الملك وطلبت من قومها أن يبايعوها فاطاعها قوم وأبى آخرون فملكوا عليهم رجلا يقال : إنه ابن عمها وكان خبيثا فاساء السيرة في أهل مملكته حتى كان يفجر بنساء رعيته فارادوا خلعه فلم يقدروا عليه فلما رأت ذلك أدركتها الغيرة فأرسلت اليه تعرض نفسها عليه فأجابها وقال : ما منعني أن ابتدئك بالخطبة إلا اليأس منك قالت : لاأرغب عنك لأنك كفؤ كريم فاجمع رجال أهلي واخطبني فجمعهم وخطبها فقالوا : لانراها تفعل فقال : بلى إنها رغبت في فذكروا لها ذلك فقالت : نعم فزوجوها منه فلما زفت اليه خرجت مع أناس كثير من حشمها وخدمها فلما خلت به سقته الخمر حتى سكر فقتلته وحزت رأسه وانصرفت إلى منرلها فلما أصبحت أرسلت إلى وزرائه واحضرتهم وقرعتهم وقالت : أما كان فيكم من يأنف من الفجور بكرائم عشيرته ثم أرتهم إياه قتيلا وقالت : اختاروا رجلا تملكوه عليكم فقالوا : لانرضى غيرك فملكوها وعلموا أن ذلك النكاح كان مكرا وخديعة منها واشتهر أن أمها جنية

الصفحة 188