كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وقد أخرج ابن ابي شيبة وابن المنذر عن مجاهد والحكيم الترمذي وابن مردويه عن عثمان بن حاضر أن أمها من الجن يقال لها بلقمة بنت شيصا وابن أبي حاتم عن زهير بن محمد أن أمها فارعة الجنية وفي التفسير الخازني أن أباها شراحيل كان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفؤا لي وأبى أن يتزوج فيهم فخطب الى الجن فزوجوه امرأة يقال لها ريحانة بنت السكن وسبب وصوله الى الجن حتى خطب اليهم على ما قيل انه كان كثير الصيد فربما اصطاد الجن وهم على صور الظباء فيخلي عنهم فظهر له ملك الجن وشكره على ذلك واتخذه صديقا فخطب ابنته فزوجه اياها وقيل : أنه خرج متصيدا فرأى حيتين يقتتلان بيضاء وسوداء وقد ظهرت السوداء على البيضاء فقتل السوداء وحمل البضاء وصب عليها الماء فأفاقت فاطلقها فلما رجع الى داره جلس وحده منفردا فاذا هو معه شاب جميل فخاف منه فقال : لاتخف أنا الحية البيضاء الذي احييتني والأسود الذي قتلته هو عبد لنا تمرد علينا وقتل عدة منا وعرض عليه المال فقل : لاحاجة لي به ولكن إن كان لك بنت فزوجنيها فزوجه ابنته فولدت له بلقيس انتهى وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد أبوي بلقيس كان جنيا والذي ينبغي أن يعول عليه عدم صحة هذا الخبر وفي البحر طولوا في قصصها يعني بلقيس بما لم يثبت في القرآن ولا الحديث الصحيح وأن ما ذكر من الحكايات أشبه شيء بالخرافات فان الظأهر على تقدير وقوع التناكح بين الانس والجن الذي قيل يصفع السائل عنه لحماقته وجهله أن لا يكون توالد بينهما وقد ذكر عن الحسن فيما روى ابن عساكر أنه قيل بحضرته : إن ملكة سبأ أحد أبويها جني فقال : لايتوالدون أي أن المرأة من الانس لاتلد من الجن والمرأة من الجن لاتلد من الانس نعم روي عن مالك ما يقتضي صحة ذلك
ففي الاشباه والنظائر لابن نجيم روى أبو عثمان سعيد بن داود الزبيدي قال : كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن وقالوا : إن ههنا رجلا من الجن زعم أنه يريد الحلال فقال : ما أرى بأسا في الدين ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل قيل لها من زوجك قالت : من الجن فيكثر الفساد في الاسلام بذلك انتهى ولعله لم يثبت عن مالك لظهور ما يرد على تعليل الكراهة ثم ليت شعري إدا حملت الجنية من الانسي هل تبقى على لطافتها فلا ترى والحمل على كثافته فيرى أو يكون الحمل لطيفا مثلها فلا يريان فاذا تم أمره تكثف وظهر كسائر بني آدم أو تكون متشكلة بشكل نساء بني آدم مادام الحمل في بطنها وهو فيه يتغذى وينمو بما يصل اليه من غذائها وكل من الشقوق لايخلوا عن استبعاد كما لايخفى وايثار وجدت على رأيت لما أشير اليه فيما سبق من الايذان بكونه عند غيبته بصدد خدمته عليه السلام بابراز نفسه في معرض من يتفقد أحوالها ويتعرفها كأنها طلبته وضالته ليعرضها على سليمان عليه السلام وقيل : للاشعار بأن ما ظفر به أمر غير معلوم أولا لأن الوجدان بعد الفقد وفيه رمز بغرابة الحال وضمير تملكهم لسبأ على أنه اسم للحي أو لأهلها المدلول عليهم بذكر مدينتهم على أنها اسم لها وليس في الآية ما يدل على جواز أن تكون المرأة ملكة ولا حجة في عمل قوم كفرة على مثل هذا المطلب وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ونقل عن محمد بن جرير أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية ولم يصح عنه وفي الأشباه لاينبغي أن تولى القضاء وإن صح منها بغير الحدود والقصاص وذكر أبو حيان أنه نقل عن أبي حنيفة عليه الرحمة أنها تقضي فيما تشهد فيه لا على الاطلاق

الصفحة 189