كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

قوم نوح ليس مترتبا على تكذيب فرعون وقومه فلا يصح عطفه عليه
وأجيب بأن ليس من ضرورة ترتب تدميرهم على ما قبله ترتب تدمير هؤلاء عليه لاسيما وقد بين سببه بقوله تعالى لما كذبوا الرسل أي نوحا ومن قبله من الرسل عليهم السلام أو نوحا وحده فان تكذيبه عليه السلام تكذيب للكل لاتفاقهم على التوحيد أو أنكروا جواز بعثة الرسل مطلقا وتعريف الرسل على الأول عهدي ويحتمل أن يكون للاستغراق إذ لم يوجد وقت تكذيبهم غيرهم وعلى الثاني استغراقي لكن على طريق المشابهة والادعاء وعلى الثالث للجنس أو للاستغراق الحقيقي وكأن المجيب أراد أن اعتبار العطف قبل الترتيب فيكون المرتب مجموع المتعاطفين ويكفي فيه ترتب البعض وقيل : المقصود من العطف التسوية والتنظير كأنه قيل : دمرناهم كقوم نوح فتكون الضمائر لهم والرسل نوح وموسى وهرون عليهم السلام ولا يخفى ما فيه واختار جمع كونه منصوبا باذكر محذوفا وقيل : هو منصوب بمضمر يفسره قوله تعالى : أغرقناهم ويرجحه على الرفع تقدم الجمل الفعلية ولا يخفى أنه إنما يتسنى ءلك على مذهب الفارسي من كون لما ظرف زمان وأما إذا كانت حرف وجود لوجود فلا لأن أغرقناهم حينئذ يكون جوابا لها فلا يفسر ناصبا ولعل أولى الأوجه الأول و أغرقناهم استئناف مبين لكيفية تدميرهم كأنه قيل : كيف كان تدميرهم فقيل : أغرقناهم بالطوفان وجعلناهم أي جعلنا اغراقهم أو قصتهم للناس ءاية أي آية عظيمة يعتبر بها من شاهدها أو سمعها وهو مفعول ثان لجعلنا و للناس متعلق به أو متعلق بمحذوف وقع حالا من آية إذ لو تأخر عنها لكان صفة لها وأعتدنا للظالمين عذابا أليما
73
- أي جعلناه معدا لهم في الآخرة أو في البرزخ أو فيهما والمراد بالظالمين القوم المذكورون والاظهار في موقع الاضمار للايذان بتجاوزهم الحد في الكفر والتكذيب أو جميع الظالمين الذين لم يعتبروا بما جرى عليهم من العذاب فيدخل في زمرتهم قريش دخولا أوليا ويحتمل العذاب الدنيوي وغيره
وعادا عطف على قوم نوح أي ودمرنا عادا أو واذكر عادا على ما قيل ولا يصح أن يكون عطفا إذا نصب على الاشتغال لأنهم لم يغرقوا وقال أبو اسحق هو معطوف على هم من جعلناهم للناس آية ويجوز أن يكون معطوفا على محل الظالمين فان الكلام بتأويل وعدنا الظالمين اه ولايخفى بعد الوجهين وثمودا الكلام فيه وفيما بعده كما فيما قبله
وقرأ عبد الله وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى وثمود غير مصروف على تأويل القبيلة وروي ذلك عن حمزة وعاصم والجمهور بالصرف ورواه عبد بن حميد عن عاصم على اعتبار الحي أو أنهم سموا بالأب الأكبر وأصحاب الرس عن ابن عباس هم قوم ثمود ويبعده العطف لأنه يقتضي التغاير وقال قتادة : هم أهل قرية من اليمامة يقال لها الرس والفلج قيل قتلوا نبيهم فهلكوا وهم بقية ثمود وقوم صالح وقال كعب ومقاتل والسدي : أهل بئر يقال له الرس بانطاكية الشام قتلوا فيها صاحب يس وهو حبيب النجار
وقيل : هم قوم قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيه وقال وهب والكلبي : أصحاب الرس وأصحاب الايكة قومان أرسل اليهما شعيب وكان أصحاب الرس قوما من عبدة الاصنام وأصحاب آبار ومواش فدعاهم

الصفحة 19