كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الذين يخرج الخبء في السموات والأرض أي يظهر الشيء المخبوء فيهما كائنا ما كان فالخبء مصدر أريد به اسم المفعول وفسره بعضهم هنا بالمطر والنبات وروي ذلك عن ابن زيد وأخرج ابن ابي حاتم عن سعيد بن المسيب أنه فسره بالماء والاولى التعميم كما روي ذلك عن جماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
وفي السموات متعلق بالخبء وعن الفراء أن في بمعنى من فالجار والمجرور على هذا متعلق بيخرج والظاهر ما تقدم واختيار هذا الوصف لما أنه أوفق بالقصة حيث تضمنت ما هو أشبه شيء باخراج الخبء وهو إظهار أمر بلقيس وما يتعلق به وعلى هذا القياس اختيار ما ذكر بعد من صفاته عز و جل وقيل : إن تخصيص هذا الوصف بالذكر لما أن الهدهد أرسخ في معرفته والاحاطة باحكامه بمشاهدة ءاثاره التي من جملتها ما أودعه الله تعالى في نفسه من القدرة على معرفة الماء تحت الأرض وأنت تعلم أن كون الهدهد أودع فيه القدرة على ما ذكر مما لم يجيء فيه خبر يعول عليه وأيضا التعليل المذكور لايتسنى على قراءة ابن عباس والستة والذين معه ألا يسجدوا بالتخفيف إذا جعل الكلام استئنافا من جهته عز و جل أو من جهة سليمان عليه السلام وقرأ أبي وعيسى الخب بنقل حركة الهمزة إلى الباء وحذف الهمزة وحكى ذلك سيبويه عن قوم من بني تميم وبني أسد
وقرأ عكرمة بالف بدل الهمزة فلزم فتح ما قبلها وهي قراءة عبد الله ومالك بن دينار وخرجت على لغة من يقول في الوقف هذا الخبو ومررت بالخبى ورأيت الخبا وأجري الوصل مجرى الوقف وأجاز الكوفيون أن يقال في المرأة والكمأة المراة والكماة بابدال الهمزة ألفا وفتح ما قبلها وذكر أن هذا الابدال لغة
وجوز أن يكون الخبء من ذلك ومنعه الزمخشري مدعيا أن ذلك لغة ضعيفة مسترذلة وعلل بأن الهمزة إذا سكن ما قبلها فطريق تخفيفها الحذف لا القلب كما يقال في الكمء كمه وتعقبه في الكشف فقال : تخريجه على الوقف فيه ضعيفان لأن الوقف على ذلك الوجه ليس من لغة الفصحاء واجراء الوصل مجرى الوقف فيما لايكثر استعماله كذلك وأما تلك اللغة فعن الكوفيين أنها قياس انتهى وزعم أبو حاتم أن الخبأ بالألف لايجوز أصلا وهو من قصور العلم قال المبرد : كان أبو حاتم دون أصحابه في النحو ولم يلحق بهم إلا أنه إذا خرج من بلدتهم ولم يلق أعلم منه وأشير بعطف قوله تعالى ويعلم ما تخفون وما تعلنون
52
- على يخرج إلى أنه تعالى يخرج ما في العالم الانساني من الخفايا كما يخرج ما في العالم الكبير من الخبايا لما أن المراد يظهر ما تخفونه من الأحوال فيجازيكم بها وذكر ماتعلنون لتوسيع دائرة العلم أو للتنبيه على تساويهما بالنسبة إلى العلم الالهي كذا قيل ويشعر كلام بعضهم يانه أشير بما تقدم إلى كمال قدرته تعالى وبهذا الى كمال علمه عز و جل وانه استوى فيه الباطل والظاهر وقدم ماتخفون لذلك مع مناسبته لما قبله من الخبء وقدم وصفه تعالى باخراج الخبء من السموات لأنه أشد ملائمة للمقام والخطاب على ما قيل اما للناس أو لقوم سليمان أو لقوم بلقيس وفي الكلام التفات
وقرأ الحرميان والجمهور مايخفون وما يعلنون بياء الغيبة وفي الكشاف عن أبي أنه قرأ ألاتسجدون لله الذي يخرج الخبء من السماء والأرض ويعلم سركم وما تعلنون
الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم
62
- في معنى التعليل لوصفه عز و جل بكمال القدرة وكمال العلم و العظيم بالجر صفة العرش وهو نهاية الاجرام فلا جرم فوقه وفي الآثار من وصف عظمه ما يبهر

الصفحة 192