كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

العقول ويكفي في ذلك أن الكرسي الذي نطق الكتاب العزيز بانه وسع السموات والأرض بالنسبة اليه كحلقة في فلاة وهو عند الفلاسفة محدد الجهات وذهبوا إلى أنه جسم كرى خال عن الكواكب محيط بسائر الافلاك محرك لها قسرا من المشرق إلى المغرب ولايكاد يعلم مقدار ثخنه إلا الله تعالى وفي الأخبار الصحيحة ما يأبى بظاهره بعض ذلك وأياما كان فبين عظمه وعظم عرش بلقيس بون عظيم
وقرأ ابن محيصن وجماعة العظيم بالرفع فاحتمل أن يكون صفة للعرش مقطوعة بتقدير هو فتستوي القراءتان معنى واحتمل أن يكون صفة للرب قال استئناف بياني كأنه قيل : فماذا فعل سليمان عليه السلام عند قوله ذلك فقيل قال : سننظر أي فيما ذكرته منن النظر بمعنى التأمل والتفكر والسين للتأكيد أي سنتعرف بالتجربة البتة أصدقت أم كنت من الكذبين
72
- جملة معلق عنها الفعل للاستفهام وكان مقتضى الظاهر أم كذبت وإيثار ما عليه النظم الكريم للايذان بان كذبه في هذه المادة يستلزم انتظامه في سلك الموسومين بالكذب الراسخين فيه فان مساق هذه الاقاويل الملفقة مع ترتيب أنيق يستميل قلوب السامعين نحو قبولها من غير أن يكون لها مصداق أصلا لاسيما بين يدي نبي عظيم تخشى سطوته لايكاد يصدر إلا عمن رسخت قدمه في الكذب والافك وصار سجية له حتى لايملك نفسه عنه في أي موطن كان وزعم بعضهم أن ذاك لمراعاة الفاصلة وليس بشيء أصلا وفي الآية على ما في الاكليل قبول الوالي عذر رعيته ودرء العقوبة عنهم وامتحان صدقهم فيما اعتذروا به وقوله تعالى : إذهب بكتابي هذا فالقه إليهم استئناف مبين لكيفية النظر الذي وعده عليه السلام بعد ما كتب كتابه في ذلك المجلس أو بعده فهذا إشارة إلى الحاضر وتخصيصه عليه السلام إياه بالرسالة دون سائر ما تحت ملكه من أمناء الجن الأقياء على التصرف والتعرف لما عاين فيه من مخايل العلم والحكمة ولئلا يبقي له عذر أصلا وفي الآية دليل على جواز إرسال الكتب إلى المشركين من الامام لابلاغ الدعوة والدعاء إلى الاسلام وقد كتب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وغيرهما من ملوك العرب وقرىء السبعة فألقهبكسر الهاء وياء بعدها وباختلاس الكسرة وبسكون الهاء وقرأ مسلم بن جندب بضم الهاء وواو بعدها ثم تول عنهم أي تنح وحمل على ذلك لأن التولي بالكلية يينافي قوله : فانظر ماذا يرجعون
82
- إلا أن يحمل على القلب كما زعم ابن زيد وأبو علي وهو غير مناسب وأمره عليه السلام إياه بالتنحي من باب تعليم الآداب مع الملوك كما روي عن وهب
والنظر بمعنى التأمل والتفكر وماذاإما كلمة استفهام في موضع المفعول ليرجعون ورجع تكون متعدية كما تكون لازمة او مبتدأ وجملة يرجعون خبره وإما أن تكون ما استفهامية مبتدأ وذا اسم موصول بمعنى الذي خبره وجملة يرجعون صلة الموصول والعائد محذوف وأيا ما كان فالجملة معلق عنها فعل القلب فمحلها النصب على إسقاط الخافض وقيل : النظر بمعنى الانتظار كما في قوله تعالى : أنظرونا نقتبس من نوركم فلا تعليق بل كلمة ماذا موصول في موضع المفعول كذا قيل والظاهر أنه بمعنى التأمل وأن المراد فتأمل وتعرف ماذا يرد بعضهم على بعض من القول وهذا ظاهر في أن الله تعالى أعطى الهدهد قوة يفهم بها ما يسمعه من

الصفحة 193