كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

كلامهمكلامهم والتعبير بالقاء لأن تبليغه لايمكن بدونه وجمع الضمير لأن المقصود تبليغ ما فيه لجميع القوم والكشف عن حالهم بعده
قالت أي بعد ما ذهب الهدهد بالكتاب فالقاه اليهم وتنحى عنهم حسبما أمر به وإنما طوي ذكره إيذانا بكمال مسارعته إلى إقامة ما أمر به من الخدمة واشعارا بالاستغناء عن التصريح به لغاية ظهوره
روي أنه عليه السلام كتب كتابه وطبعه بالمسك وختمه بخاتمه ودفعه إلى الهدهد فذهب به فوجدها راقدة في قصرها بمأرب وكانت إذا رقدت غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها فدخل من كوة وطرح الكتاب على نحرها وهي مستلقية وفي رواية بين ثدييها وقيل : نقرها فانتبهت فزعة وقيل أتاها والقادة والجنود حواليها فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت رأسها فالقى الكتاب في حجرها فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت فقالت ما قالت وقيل : كانت في البت كوة تقع الشمس منها كل يوم فاذا نظرت اليها سجدت فجاء الهدهد فسدها بجناحيه فرأت ذلك وقامت اليه فالقى الكتاب اليها وكانت قارئة كاتبة عربية من نسل يعرب بن قحطان واشتهر أنها من نسل تبع الحميري وكان الخط العربي في غاية الاحكام والاتقان والجودة في دولة التبابعة وهو المسمى بالخط الحميري وكان بحمير كتابة تسمى المسند حروفها مفصلة وكانوا يمنعون من تعليمها إلا باذنهم ومن حمير تعلم مضر وقد تقدم بعض الكلام في ذلك
واختار ابن خلدون القول بأنه تعلم الكتابة العربية من التبابعة وحمير أهل الحيرة وتعلمها منهم أهل الحجاز وظاهر كون بلقيس من العرب وأنها قرأت الكتاب يقتضي أن الكتاب كان عربيا ولعل سليمان عليه السلام كان يعرف العربي وإن لم يكن من العرب ومن علم منطق الطير لايبعد أن يعلم منطق العرب الذي هو اشرف منطق ويحتمل أن يكون عنده من يعرف ذلك وكذا من يعرف غيره من اللغات كعادة الملوك يكون عندهم من يتكلم بعدة لغات ليترجم لهم ما يحتاجونه ويجوز أن يكون الكتاب غير عربي بلغة سليمان عليه السلام وقلمه وكان قلمه كما نقل عن الامام أحمد البوني كاهنيا وكان عند بلقيس من ترجمه لها وأعلمها بما فيه فجمعت أشراف قومها وأخبرتهم بذلك واستشارتهم كما حكى سبحانه عنها بقوله جل وعلا قالت : يا أيها الملؤا إني القي إلي كتاب كريم
92
- الخ وأقدم سليمان عليه السلام على كتابة الكتاب اليها كذلك قول الهدهد وأوتيت من كل شيء والمترجم من الأشياء التي يحتاج اليها الملك وأن اللائق بشأنه وعظته أن لايترك لسانه ويتشبه بها في لسانها ويحتمل أنها كانت بنفسها تعرف تلك الكتابة فقرأ الكتاب لذلك ورجح احتمال أن يكون الكتاب غير عربي بأن الكتابة لها بالعربية تستدعي الوقوف على حالها وهو عليه السلام ما وقف عليه بعد
وتعقب بانه دله على كونها عربية قول الهدهد جئتك من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأة تملكهم فانه عليه السلام ممن لايخفى عليه كون سبأ من العرب والظاهر كون ملكتهم منهم ووصف الكتاب بالكرم لكونه مختوما ففي الحديث كرم الكتاب ختمه وفي شرح أدب الكاتب يقال أكرمت الكتاب فهو كريم إدا ختمته وقال ابن المقنع : من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به وقد فسر ابن عباس وقتادة وزهير بن محمد الكريم هنا بالمختوم وفيه كما قيل استحباب ختم الكتاب لكرم مضمونه وشرفه أو لكرم

الصفحة 194