كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

مرسلهمرسله وعلو منزلته وعلمت ذلك بالسماع أو بكون كتابه مختوما باسمه على عادة الملوك والعظماء أو بكون رسوله به الطير أو لبداءته باسم الله عز و جل أو لغرابة شأنه ووصوله اليها على منهاج غير معتاد وقيل : أن ذلك لظنها إياه بسبب أن الملقي له طيرا أنه كتاب سماوي وليس بشيء وبناء القي للمفعول لعدم الاهتمام بالفاعل وقيل : لجهلها به أو لكونه حقيرا وقال الشيخ الأكبر قدس سره في الفصوص : من حكمة بلقيس كونها لم تذكر من ألقى اليها الكتاب وما ذاك الا لتعلم أصحابها أن لها أتصالا إلى أمور لايعلمون طريقها وفي ذلك سياسة منها أورثت الحذر منها في أهل مملكتها وخواص مدبريها وبهذا استحقت التقديم عليهم انتهى وتأكيد الجملة للاعتناء بشأن الحكم وأما التأكيد في قوله تعالى : إنه من سليمن وإنه بسم الله الرحمن الرحيم
3
- فلذاك أيضا أولوقوعه في جواب سؤال مقدر كأنه قيل : ممن هذا الكتاب وماذا مضمونه فقيل : إنه من سليمان الخ ويحسن التأكيد بان في جواب السؤال ولا أرى فرقا في ذلك بين المحقق والمقدر ويعلم مما ذكر أن ضمير إنه الأول للكتاب وضمير إنه الثاني للمضمون وإن لم يذكر وليس في الآية ما يدل على أنه عليه السلام قدم اسمه على اسم الله عز و جل وعلمها بانه من سليمان يجوز أن يكون لكتابة اسمه بعد
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان أنه قال : كتب سليمان بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان ابن داود إلى بلقيس ابنة ذي شرح وقومها أن لاتعلوا الخ وجوز أن يكون لكتابته في ظاهر الكتاب وكان باطن الكتاب بسم الله الخ وقيل : ضمير انه الأول للعنوان وأنه عليه السلام عنون الكتاب باسمه مقدما له فكتب من سليمان بسم الله الخ واستظهر هذا أبو حيان ثم قال : وقدم عليه السلام اسمه لاحتمال أن يبدر منها ما يليق إد كانت كافرة فيكون اسمه وقاية لاسم الله عز و جل وهو كما ترى وكتابة البسملة في أوائل الكتب مما جرت به سنة نبينا صلى الله عليه و سلم بعد نزول هذه الآية بلا خلاف وأما قبله فقد قيل إن كتبه عليه الصلاة و السلام لم تفتتح بها فقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما عن الشعبي قال : كان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم فكتب النبي صلى الله عليه و سلم أو ما كتب باسمك اللهم حتى نزلت بسم الله مجراها ومرساها فكتب بسم الله ثم نرلت ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فكتب بسم الله الرحن ثم نرلت آية النمل إنه من سليمان الآية فكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأخرج أبو داود في مراسيله عن أبي مالك قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يكتب باسمك اللهم فلما نزلت إنه من سليمان الآية كتب بسم الله الخ وروي نحو ذلك عن ميمون بن مهران وقتادة وهذا عندي مما لايكاد يتسنى مع القول بنزول البسملة قبل نزول هذه الآية وهذا القول مما لاينبغي أن يذهب الى خلافه فقد قال الجلال السيوطي في اتقانه اختلف في أول ما نزل من القرآن على أقوال أحدها وهو الصحيح إقرأ باسم ربك واحتج له بعده اخبار منها خبر الشيخين في بدء الوحي وهو مشهور وثانيهما يا أيها المدثر وثالثها سورة الفاتحة ورابعها البسملة ثم قال وعندي أن هذا لايعد قولا برأسه فانه من ضرورة نزول السورة نزول البسملة معها فهي أول آية نزلت على الاطلاق اه
وهو يقوي ما قلناه فان البسملة إذا كانت أول آية نزلت كانت هي المفتتح لكتاب الله تعالى وإذا كانت كذلك كان اللائق بشأنه صلى الله عليه و سلم أن يفتتح بها كتبه كما افتتح الله تعالى بها كتابه وجعلها أول المنزل منه
والقول بأنها نزلت قبل الا أنه عليه الصلاة و السلام لم يعلم مشروعيتها في أوائل الكتب والرسائل حتى نزلت هذه الآية المتضمنة لكتابة سليمان عليه السلام إياها في كتابه الى أهل سبأ مما لايقدم عليه الا جاهل

الصفحة 195