كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الثاني بأن قولها : إن الملوك الخ صريح في دعوة الملك والسلطنة
وأجيب بأن ذاك لعدم تيقنها رسالته عليه السلام حينئذ أو هو من باب الاحتيال لجلب القوم إلى الاجابة بادخال الروع عليهم من حيثية كونه عليه السلام ملكا وهذا كما ترى والظاهر أنه لم يكن في الكتاب أكثر مما قص الله تعالى وهو أحدى الروايتين عن مجاهد وثانيتهما أنه في السلام على من اتبع الهدى أما بعد فلا تعلوا علي واتوني مسلمين وفي بعض الآثار أن نسخة الكتاب من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ السلام على من اتبع الهدى إلى آخر ما ذكر ولعلها على ما هو الظاهر عرفت أنهم المعنيون بالخطاب من قرائن الأحوال وقد تضمن ما قصه سبحانه البسملة التي هي هي في الدلالة على صفاته تعالى صريحا والتزاما والنهي عن الترفع الذي هو أم الرذائل والأمر بالاسلام الجامع لأمهات الفضائل فياله كتاب في غاية الايجاز ونهاية الاعجاز وعن قتادة كذلك كانت الانبياء عليهم السلام تكتب جملا لايطيلون ولا يكثرون
هذا ولم أر في الآثار ما يشعر بانه عليه السلام كتب ذلك على الكاغد أو الورق أو غيرهما واشتهر على ألسنة الكتاب أن الكتاب كان من الكاغد المعروف وأن الهدهد أخذه من طرفه بمنقاره فابتل ذلك الطرف بريقه وذهب منه شيء وكان ذلك الزاوية اليمنى من جهة أسفل الكتاب وزعموا أن قطعهم شيئا من القرطاس من تلك الزاوية تشبيها لما يكتبونه بكتاب سليمان عليه السلام وهذا مما لايعول عليه ولسائر أرباب الصنائع والحرف حكايات من هذا القبيل وهي عند العقلاء أحاديث خرافة
قالت يا أيها الملؤا أفتوني في أمري كررت حكاية قولها للايذان بغاية اعتنائها بما في حيزها والافتاء على ما قال صاحب المطلع الاشارة على المستفتي فيما حدث له من الحادثة بما عند المفتي من الرأي والتدبير وهو إزالة ما حدث له من الاشكال كالاشكاء إزالة الشكوى وفي المغرب اشتقاق الفتوى من الفتى لأنها جواب في حادثة أو إحداث حكم أو تقوية لبيان مشكل وأيا ما كان فالمعنى أشيروا علي بما عندكم من الرأي والتدبير فيما حدث لي وذ : رت لكم خلاصته وقصدت بما ذ : رت استعطافهم وتطييب نفوسهم ليساعدوها ويقوموا معها وأكدت ذلك بقولها ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون
23
- أي ما أقطع أمرا من الأمور المتعلقة بالملك إلا بمحضركم وبموجب آرائكم والاتيان بكان للايذان بانها استمرت على ذلك أو لم يقع منها غيره في الزمن الماضي فكذا في هذا و حتى تشهدون غاية للقطع
واستدل بالآية على استحباب المشاورة والاستعانة بالآراء في الأمور المهمة وفي قراءة عبد الله ما كنت قاضية أمرا قالوا استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية قولها كأنه قيل : فماذا قالوا في جوابها فقيل قالوا : نحن أولوا قوة في الأجساد والعدد وأولوا بأس شديد أي نجدة وشجاعة مفرطة وبلاء في الحرب قيل : كان أهل مشورتها ثلاثمائة واثني عشر رجلا كل واحد على عشرة الآف وروي ذلك عن قتادة
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان لصاحبة سليمان اثنا عشر الف قيل تحت يد كل قيل مائة الف وقيل : كان تحت يدها مائة ملك كل ملك على كورة تحت يد كل ملك أربعمائة الف مقاتل

الصفحة 197