كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

ولها ثلثمائة وزير يدبرون ملكها ولها اثنا عشر ألف قائد كل قائد تحت يده اثنا عشر ألف مقاتل وهذه الاخبار إلى الكذب أقرب منها إلى الصدق ولعمري أن أرض اليمن لتكاد تضيق عن العدد الذي تضمنه الخبران وليت شعري ما مقدار عدد رعيتها الباقين الذين تحتاج إلى هذا العسكر والقواد والوزراء لسياستهم وضبط أمورهم وتنظيم أحوالهم والأمر اليك تسليم للأمر اليها بعد تقديم ما يدل على القوة والشجاعة حتى لايتوهم أنه من العجز والأمر بمعناه المعروف أو المعنى الشأن وهو مبتدأ واليك متعلق بمحذوف وقع خبرا له ويقدر مؤخرا ليفيد الحصر المقصود لفهمه من السياق اي والأمر اليك موكول
فانظري ماذا تأمرين
33
- من الصلح والمقاتلة نطعك ونتبع رأيك وقيل : أرادوا نحن أبناء الحرب لامن أبناء الرأي والمشورة واليك الرأي والتدبير فانظري ماذا ترين نكن في الخدمة فلما أحست منهم الميل للحرب والعدول عن السنن الصواب شرعت في تزييف مقاتلتهم المنبئة عن الغفلة عن شأن سليمان عليه السلام حسبما تعتقده وذلك قوله تعالى : قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية منن القرى على منهاج المقاتلة والحرب أفسدوها بتخريب عماراتها واتلاف ما فيها من الأموال
وجعلوا أعزة أهلها أذلة بالقتل والأسر والاجلاء وغير ذلك من فنون الاهانة والاذلال ولم يقل وأذلوا أعزة أهلها مع أنه أخصر للمبالغة في التصيير والجعل وكذلك يفعلون
43
- تصديق لها من جهته عز و جل على أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أو هو من كلامها جاءت به تأكيدا لما وصفت من حالهم بطريق الاعتراض التذييلي وتقرير له بأن ذلك عادتهم المستمرة فالضمير للملوك وقيل : هو لسليمان ومن معه فيكون تأسيسا لاتأكيدا وتعقب بان التأكيد لازم على ذلك أيضا لاندراج تحت الكلية وكأنها أرادت على ما قيل ان سليمان ملك الملوك هذا شأنهم وغلتنا عليه غير محققة ولا اعتماد على العدد والعدة والشجاعة والنجدة فربما يغلبنا فيكون مايكون فالصلح خير وقيل : إنها غلب على ظنها غلبته حيث رأت أنه سخر له الطير فجعل يرسله بامر خاص إلى شخص خاص مغلق عليه الأبواب فأشارت لهم إلى أنه يغلب عليهم إدا قاتلوه فيفسد القرى ويذل الأعزة وأفسدت بذلك رأيهم وما أحسته منهم من الميل إلى مقاتلته عليه السلام وقررت رأيها بقولها : وإني مرسلة اليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون
53
- حتى أعمل بما يقتضيه الحال وهذا ظاهر في أنها لم تثق بقبوله عليه السلام هديتها
وروي أنها قالت لقومها : إن كان ملكا دنيويا أرضاه المال وعملنا معه بحسب ذلك وإن كان نبيا لم يرضه المال وينبغي أن نتبعه على دينه والهدية اسم لما يهدي كالعطية اسم لما يعطى والتنوين فيها للتعظيم وناظرة عطف على مرسلة و بم متعلق بيرجع ووقع للحوفي أنه متعلق بناظرة وهو وهم فاحش كما في البحر والنظر معلق والجملة في موضع المفعول به له والجملة الاسمية الدالة على الثبات المصدرة بحرف التحقيق للايذان بانها مزمعة على رأيها لايلويها عنه صارف ولايثنيها عاطف
واختلف في هديتها فعن ابن عباس أنها كانت مائة وصيف ومائة وصيفة وقال وهب وغيره : عمدت بلقيس إلى خمسمائة جارية فالبست الجواري لبس الغلمان الاقبية والمناطق وألبست الغلمان

الصفحة 198