كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

لباس الجواري وجعلت في أيديهم أساور الذهب وفي أعناقهم أطواق الذهب وفي آذانهم أقرطة وشنوفا مرصعة بأنواع الجواهر وحملت الجواري على خمسمائة رمكة والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس سرج من الذهب مرصع بالجواهر وعليه أغشية الديباج وبعثت اليه لبنات من ذهب ولبنات من فضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت وأرسلت بالمسك والعنبر والعود وعمدت الى حق فجعلت فيه درة عذراء وخرزة جزع معوجة الثقب ودعت رجلا من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو وضمت اليه رجالا من قومنها أصحاب رأي وعقل وكتبت معه كتابا تذكر فيه الهدية وقالت فيه : إن كنت نبيا ميز بين الغلمان والجواري وأخبر بما في الحق قبل أن تفتحه ثم قالت للرسول : فان أخبر فقل له اثقب الدرة ثقبا مستويا وأدخل في الخرزة خيطا من غير علاج انس ولا جن وقالت للغلمان : إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام في تأنيث وتخنث يشبه كلام النساء وأمرت الجواري أن يكلموه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال ثم قالت للرسول : أنظر إلى الرجل إذا دخلت فان نظر اليك نظرا فيه غضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك منظره فانا أعز منه وإن رأيت الرجل بشاشا لطيفا فاعلم أنه نبي فتفهم منه قوله ورد الجواب فانطلق الرجل بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر فأمر عليه السلام الجن أن يضربوا لبنا من الذهب والفضة ففعلوا وأمرهم بعمل ميدان مقدار تسع فراسخ وأن يفرشوا فيه لبن الذهب والفضة وأن يخلوا قدر تلك اللبنات التي معهم وأن يعملوا حول الميدان حائطا مشرفا من الذهب والفضة ففعلوا ثم قال : أي دواب البر والبحر أحسن فقالوا : يا نبي الله ما رأينا أحسن من دواب البحر يقال لها كذا وكذا مختلفة ألوانها لها أجنحة وأعراف ونواص قال علي بها الساعة فأتوه بها قال : شدوها عن يمين الميدان وشماله وقال للجن : علي باولادكم فاجتمع منهم خلق كثير فأقامهم على يمين الميدان وعلى شماله وأمر الجن والانس والشياطين والوحوش والسباع والطير ثم قعد في مجلسه على سريره ووضع أربعة آلاف كرسي على يمينه وعلى شماله وأمر جميع الانس والجن والشياطين والوحوش والسباع والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه وشماله فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك سليمان عليه السلام ورأوا الدواب التي لم يروا مثلها ترث على لبن الذهب والفضة تصاغرت اليهم أنفسهم وخبؤا ما كان معهم من الهدايا وقيل : إنهم لما رأوا ذلك الموضع الخالي من اللبنات خاليا خافوا أن يتهموا بذلك فوضوعوا ما معهم من اللبن فيه ولما نظروا إلى الشياطين هالهم مارأوا وفزعوا فقالت لهم الشياطين : جوزوا لابأس عليكم وكانوا يمرون على كراديس الجن والوحش والطير حتى وقفوا بين يدي سليمان فأقبل عليهم بوجه طلق وتلقاهم ملقى حسنا وسألهم عن حالهم فأخبره رئيس القوم بما جاءوا فيه واعظاه الكتاب فنظر فيه وقال : أين الحق فأتي به فحركه فجاء جبريل عليه السلام فأخبره بما فيه فقال لهم : إن فيه درة غير مثقوبة وجزعة معوجة الثقب قال الرسول : صدقت فاثقب الدرة وأذخل الخيط في الجزعة فقال سليمن عليه السلام من لي بثقبها وسال الجن والأنس فلم يكن عندهم علم ذلك ثم سأل الشياطين فقالوا نرسل الى الأرضة فلما جاءت أخذت شعرة بفيها ونفذت في الدرة حتى خرجت من الجانب الآخر فقال لها : ما حاجتك قالت : تصير رزقي في الشجر فقال : لك ذلك ثم قال : من لهذه الخرزة فقالت دودة بيضاء : أنا لها يا نبي الله فأخذت الخطي بفيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر فقال : ما حاجتك قالت : يكون رزقي في الفواكه فقال : لك ذلك ثم ميز

الصفحة 199