كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

بين الغلمان والجواري أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم فجعلت الجارية تأخذ الماء بيدها وتضرب بها الأخرى وتغسل وجهها والغلام يأخذ الماء بيده ويضرب به وجهه وكانت الجارية تصب الماء على باطن ساعديها والغلام على ظاهره ثم رد سليمن عليه السلام الهدية كما أخبر الله تعالى وقيل : إنها أنفذت مع هداياها عصا كان يتوارثها ملوك حمير وقالت : أريد أن تعرفني رأسها من اسفلها وبدقدح ماء وقالت : تملؤه ماء رواء ليس من الارض ولا من السماء فأرسل عليه السلام العصا إلى الهواء وقال أي الطرفين سبق إلى الأرض فهو أصلها وأمر بالخيل فأجريت حتى عرقت وملأ القدح من عرقها وقال : هذا ليس من ماء الأرض ولا من ماء السماء اه وكل ذلك أخبار لايدرى صحتها ولا كذبها ولعل في بعضها ما يميل القلب إلى القول بكذبه والله تعالى أعلم
فلما جاء سليمن في الكلام حذف أي فارسلت الهدية فلما جاء الخ وضمير جاء وجوز أن يكون لما أهدت اليه والأول أولى وقرأ عبد الله فلما جاؤا أي المرسلون قال أتمدونن بمال خطاب للرسول والمرسل تغليبا للحاضر على الغائب واطلاقا للجمع على الاثنين وجوز أن يكون للرسول ومن معه وهو أوفق بقراءة عبد الله ورجح الأول لما فيه من تشديد الانكار والتوبيخ المستفادين من الهمزة على ما قيل وتعميمهما لبلقيس وقومها وأيد بمجيء قوله تعالى ارجع اليهم بالافراد وتنكير مال للتحقير
وقرأ جمهور السبعة تمدونن بنونين وأثبت بعض الياء وقرأ حمزة بادغام نون الرفع في نون الوقاية وإثبات ياء المتكلم وقرأ المسيبي عن نافع بنون واحدة خفيفة والمحذوف نون الوقاية وجوز أن يكون الأولى فرفعه بعلامة مقدرة كما قيل في قوله : أبيت اسري وتبيتي تدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي فما ءاتاني الله أي من النبوة والملك الذي لاغاية وراءه خير مما ءاتيكم أي من المال الذي من جملته ما جئتم به وقيل : عني بما آتاه المال لأنه المناسب للمفضل عليه والأول أولى لأنه أبلغ والجملة تعليل للانكار والكلام كناية عن عدم القبول لهديتهم وليس المراد منه الافتخار بما أوتيه فكأنه قيل : انكر امدادكم إياي بمال لأن ما عندي خير منه فلا حاجة لي إلى هديتكم ولا وقع لها عندي والظاهر أن الخطاب المذكور كان أول ما جاؤه كما يؤذن به قوله تعالى : فلما جاء سليمان الخ ولعل ذلك لمزيد حرصه على ارشادهم إلى الحق وقيل : لعله عليه السلام قال لهم ما ذكر بعد أن جرى بينهم وبينه ما جرى مما في خبر وهب وغيره واستدل بالآية على استحباب رد هدايا المشركين
والظاهر أن الأمر كذلك إذا كان في الرد مصلحة دينية لامطلقا وإنما لم يقل : وما آتاني الله خير مما آتاكم لتكون الجملة حالا لما أن مثل هذه الحال وهي الحال المقررة للاشكال يجب أن تكون معلومة بخلاف العلة وهي هنا ليست كذلك وقوله تعالى بل أنتم بهديتكم تفرحون
63
- اضراب عما ذكر من انكار الامداد بالمال وتعليله إلى بيان ما حملهم عليه من قياس حاله عليه السلام على حالهم وهو قصور همتهم على الدنيا والزيادة فيها فالمعنى أنتم تفرحون بما يهدى اليكم لقصور همتكم على الدنيا وحبكم الزيادة فيها ففي ذلك من الحط عليهم ما لايخفى والهدية مضافة إلى المهدى اليه وهي تضاف إلى ذلك كما تضاف إلى المهدى أو اضراب

الصفحة 200