كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

عن ذلك إلى التوبيخ بفرحهم بهديتهم التي أهدوها اليه عليه السلام وفرح افتخار وامتنان واعتداد بها وفائدة الاضراب التنبيه على أن امداده عليه السلام بالمال منكر قبيح وعد ذلك مع أنه لاقدر له عنده عليه السلام مما يتنافس فيه المتنافسون أقبح والتوبيخ به أدخل وقيل : وينبيء عن اعتدادهم بتلك الهدية التنكير في قول بلقيس : وإني مرسلة اليهم بهدية بعد عدها إياه عليه السلام ملكا عظيما
وكذأ ما تقدم في خبر وهب وغيره من حديث الحق والجزعة وتغيير زي الغلمان والجواري وغير ذلك وقيل : فرحهم بما أهدوه اليه عليه السلام من حيث توقعهم به ما هو أزيد منه فان الهدايا للعظماء قد تفيد ما هو أزيد منها مالا أو غيره كمنع تخريب ديارهم هنا وقيل : الكلام كناية عن الرد والمعنى أنتم من حقكم تفرحوا بأخذ الهدية لا أنا فخذوها وافرحوا وهو معنى لطيف إلا أن فيه خفاء ارجع أمر للرسول ولم يجمع الضمير كما جمعه فيما تقدم من قوله : أتمدونني الخ لاختصاص الرجوع به بخلاف الامداد نحوه وقيل : هو أمر للهدهد محملا كتابا آخر وأخرج ذلك ابن أبي حاتم عن زهير بن زهير
وتعقب بأنه ضعيف دراية ورواية وقرأ عبد الله ارجعوا على أنه أمر للمرسلين والفعل هنا لازم أي انقلب وانصرف اليهم أي إلى بلقيس وقومها فلنأتينهم أي فوالله لنأتينهم بجنود لاقبل لهم بها أي لاطاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها وأصل القبل المقابلة فجعل مجازا أو كناية عن الطاقة والقدرة عليها وقرأ عبد الله بهم ولنخرجنهم عطف على جواب القسم منها أي من سبأ أذلة أي حال كونهم أذلة بعدما كانوا فيه من العز والتمكين وفي جمع القلة تأكيد لذلتهم وقوله تعالى : وهم صاغرون
73
- حال أخرى والصغار وإن كان بمعنى الذل إلأ أن المراد به هنا وقوعهم في أسر واستعباد فيفيد الكلام أن إخراجهم بطريق الاسر لابطريق الاجلاء وعدم وقوع جواب القسم لأنه كان معلقا بشرط قد حذف عند الحكاية ثقة بدلالة الحال عليه كأنه قيل : ارجع اليهم فليأتوني مسلمين وإلا فلنأتينهم الخ
قال يا أيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين
83
- في الكلام حذف أي فرجع الرسول اليها وأخبرها بما أقسم عليه سليمان فتجهزت للمسير اليه إذ علمت أنه نبي ولا طاقة لها بقتاله فروي أنها أمرت عند خروجها فجعل عرشها في آخر سبعة أبيات بعضها في جوف بعض في آخر قصر من قصورها وغلقت الأبواب ووكلت به حراسا يحفظونه وتوجهت إلى سليمان في أقيالها وأتباعهم وأرسلت إلى سليمان إني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو اليه من دينك قال عبد الله بن شداد : فلما كانت على فرسخ من سليمان قال : أيكم يأتيني بعرشها
وعن ابن عباس كان سليمان مهيبا لايبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه فنظر ذات يوم رهجا قريبا منه فقال : ماهذا فقالوا : بلقيس فقال : أيكم الخ ومعنى مسلمين على روي عنه طائعين وقال بعضهم : هو بمعنى مؤمنين واختلفوا في مقصوده عليه السلام من استدعائه عرشها فعن ابن عباس وابن زيد أنه عليه السلام استدعى ذلك ليريها القدرة التي هي من عند الله تعالى وليغرب عليها ومن هنا قال في الكشاف لعله

الصفحة 201