كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

أوحىأوحى اليه عليه للسلام باستيثاقها من عرشها فاراد أن يغرب عليها ويريها بذلك بعض ما خصه الله تعالى : من اجراء العجائب على يده مع اطلاعها على عظيم قدرة الله تعالى وعلى ما يشهد لنبوة سليمن عليه السلام ويصدقها انتهى وتقييد الاتيان بقوله قبل الخ لما أن ذلك أبدع وأغرب وأبعد من الوقوع عادة وأذل على عظيم قدرة الله عز و جل وصحة نبوته عليه السلام وليكون اطلاعها على بدائع المعجزات في أول مجيئها
وقال الطبري : أراد عليه السلام أن يختبر صدق الهدهد في قوله ولها عرش عظيم واستبعد ذلك لعدم احتياجه عليه السلام إلى هذا الاختبار فان أمارة الصدق في ذلك في غاية الوضوح لديه عليه السلام لاسيما إذا صح ما روي عن وهب وغيره وقيل : أراد أن يؤتي به فينكر ويغير ثم ينظر أتثبته أم تنكره اختبارا لعقلها
وقال قتادة وابن جريج : إنه عليه السلام أراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الايمان ويمنع أخذ أموالهم قال في الكشف : فيه أن حل الغنائم مما أختص به نبينا صلى الله عليه و سلم وقال في التحقيق لايناسب رد الهدية وتعليله بقوله فما آتاني الله خير مما آتاكم وأجيب بان هذا ليس من باب أخذ الغنائم وإنما هو من باب أخذ مال الحربي والتصرف بغير رضاه مع أن الظاهر أنه يوحي فيجوز من خصوصياته لحكمة ولم يكن ذلك هدية لها حتى لايناسب الرد السابق وفيه بحث ولعل الالصق بالقلب أن ذاك لينكره فيمتحنها اختبارا لعقلها مع اراءتها بعض خوارقه الدالة على صحة نبوته وعظيم قدرة الله عز و جل ثم الظاهر أن هذا القول بعد رد الهدية وهو الذي عليه الجمهور
وفي رواية عن ابن عباس أنه عليه السلام قال ذلك حين ابتدأ النظر في صدق الهدهد من كذبه لما قال ولها عرش عظيم ففي ترتيب القصص تقديم وتأخير واظن أنه لايصح هذا عن ابن عباس قال عفريت أي خبيث مارد من الجن بيان له إذ يقال للرجل الخبيث المنكر الذي يعفر أقرانه وقرأ أبو حيوة عفريت بفتح العين وقرأ ابو رجاء وأبو السمال وعيسى ورويت عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عفريت بكسر العين وسكون الفاء وكسر الراء بعدها ياء مفتوحة بعدها تاء التأنيث وقال ذو الرمة : كأنه كوكب في أثر عفرية مصوب في سواد الليل منقضب وقرأت فرقة عفر بلاياء ولا تاء ويقال في لغة طيء وتميم : عفراة بالف بعدها تاء التأنيث وفيه لغة سادسة عفارية وتاء عفريت زائدة للمبالغة في المشهور وفي النهاية الياء في عفرية وعفارية للالحاق بشرذمة وعذافرة والهاء فيها للمبالغة والتاء في عفريت للالحاق بقنديل اه واسم هذا العفريت على ما أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس صخر
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن شعيب الجبائي أن اسمه كوزن وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد ابن رومان ان اسمه كرزي وقيل : اسمه ذكوان أنا ءاتيك به أي بعرشها وآتي يحتمل أن يكون مضارعا وان يكون اسم فاعل قيل : وهو الانسب بمقام ادعاء الاتيان به في المدة المذكورة في قوله تعالى : قبل أن تقوم من مقامك أي من مجلسك الذي تجلس في للحكومة وكان عليه السلام يجلس في الصبح إلى الظهر في كل يوم قاله قتادة ومجاهد ووهب وزهير بن محمد وقيل : أي قبل أن تستوي من جلوسك قائما وإني عليه لقوي لايثقل علي حمله والقوة صفة تصدر عنها الأفعال الشاقة ويطيق بها من قامت

الصفحة 202