كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

به لتحمل الأجرام العظيمة ولذا اختير قوي على قادر هنا وظاهر كلام بعضهم أن في الكلام حذفا فمنهم من قال : اي على حمله ومنهم قال : أي على الاتيان به ورجح الثاني بالتبادر نظرا إلى أول الكلام والأول بانه أنسب بقوله لقوي أمين
93
- لاأقتطع منه شيئا ولا أبدله قال الذي عنده علم من الكتاب فصله عما قبله للايذان بما بين القائلين ومقالتيهما وكيفيتي قدرتيهما على الاتيان به من كمال التباين أو لاسقاط الأول عن درجة الاعتبار واختلف في تعيين هذا القائل فالجمهور ومنهم ابن عباس ويزيد بن رومان والحسن على أنه آصف بن برخيا بن شمعيا بن منكيل واسم امه باطورا من بني اسرائيل كان وزير سليمان على المشهور وفي مجمع البيان أنه وزيره وابن أخته وكان صديقا يعلم الاسم الاعظم وقيل كان كاتبه
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أنه رجل اسمه اسطوم وقيل : اسطورس
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد أنه رجل يقال له ذو النور وأخرج هو أيضا عن ابن لهيعة أنه الخضر عليه السلام وعن قتادة أن اسمه مليخا وقيل : ملخ وقيل : تمليخا وقيل : هود وقالت جماعة هو ضبة ابن أد جد بني ضبة من العرب وكان فاضلا يخدم سليمان كان على قطعة من خيله وقال النخعي هو جبريل عليه السلام وقيل : هو ملك آخر أيد الله تعالى به سليمان عليه السلام وقال الجبائي هو سليمان نفسه عليه السلام
ووجه الفصل عليه واضح فان الجملة حينئذ مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل : فما قال سليمان عليه السلام حين قال العفريت ذلك فقيل : قال الخ ويكون التعبير عنه بما في النظم الكريم للدلالة على شرف العلم وأن هذه الكرامة كانت بسببه ويكون الخطاب في قوله : أنا ءاتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك للعفريت وإنما لم يأت به أولا بل استفهم القوم بقوله أيكم يأتيني بعرشها ثم قال ما قال وأتي به قصدا الآن يريهم أنه يتأتى له مالا يتهيأ لعفاريت الجن فضلا عن غيرهم وتخصيص الخطاب بالعفريت لأنه الذي تصدى لدعوى القدرة على الاتيان به من بينهم وجعله لكل أحد كما في قوله تعالى ذلك أدنى أن لاتعولوا غير ظاهر بالنسبة إلى ما ذكر
وآثر هذا القول الامام وقال انه أقرب لوجوه الاول أن الموصول موضوع في اللغة لشخص معين بمضمون الصلة المعلومة عند المخاطب والشخص المعلوم بأن عنده علم الكتاب هو سليمان وقد تقدم في هذه السورة ما يستأنس به لذلك فوجب ارادته وصرف اللفظ اليه وآصف وان شاركه في مضمون الصلة لكن هو فيه أتم لأنه نبي وهوأعلم بالكتاب من امته الثاني ان احضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية فلو حصلت لاحد من امته دونه لاقتضي تفضيل ذلك عليه عليه السلام وانه غير جائز الثالث أنه لو افتقر في احضاره الى أحد من امته لاقتضي قصور حاله في اعين الناس
الرابع أن ظاهر قوله عليه السلام فيما بعد هذا من فضل ربي الخ يقتضي أن ذلك الخارق قد أظهره الله تعالى بدعائه عليه السلام اه وللمناقشة فيه مجال واعترض على هذا القول بعضهم بأن الخطاب في آتيك يأباه فان حق الكلام عليه أن يقال : ان آتي به قبل أن يرتد إلى الشخص طرفه مثلا وقد علمت دفعه وبأن المناسب أن يقال فيما بعد فلما أتي به دون فلما رآه الخ وأجيب عن هذا بان قوله ذاك للاشارة إلى أنه لاحول ولا قوة له فيه ولعل الأظهر أن القائل أحد اتباعه ولا يلزم من ذلك أنه عليه السلام لم يكن قادرا على الاتيان به

الصفحة 203