كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

كذلك فان عادة الملوك تكليف أتباعهم بمصالح لهم لايعجزهم فعلها بأنفسهم فليكن ما نحن فيه جاريا على هذه العادة ولا يضر في ذلك كون الغرض مما يتم بالقول وهو الدعاء ولا يحتاج إلى أعمال البدن واتعابه كما لايخفى
وفي فصوص الحكم كان ذلك على يد بعض أصحاب سليمان عليه السلام ليكون أعظم لسليمان في نفس الحاضرين وقال القيصري : كان سليمان قطب وقته متصرفا وخليفة على العالم وكان آصف وزيره وكان كاملا وخوارق العادات قلما تصدر من الاقطاب والخلفاء بل من وراثهم وخلفائهم لقيامهم بالعبودية التامة واتصافهم بالفقر الكلي فلا يتصرفون لأنفسهم في شيء ومن منن الله تعالى عليهم أن يزقهم صحبة العلماء الأمناء يحملون منهم أثقالهم وينفذون أحكامهم وأقوالهم اه وما في الفصوص أقرب لمشرب أمثالنا على أن ما ذكر لايخلوا عن بحث على مشرب القوم أيضا
وفي مجمع البيان روى العياشي باسناده قال : التقى موسى بن محمد بن علي بن موسى ويحيى بن أكثم فسأله عن مسائل منها : هل كان سليمان محتاجا إلى علم آصف فلم يجب حتى سأل أخاه علي بن محمد فقال : أكتب له لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف ءاصف لكنه عليه السلام احب أن يعرف أمته من الجن والانس أنه الحجة من بعده وذلك من علم سليمان أودعه ءاصف بامر الله ففهمه الله تعالى ذلك لئلا يختلف في إمامته كما فهم سليمان في حياة داود لتعرف أمامته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق اه وهو كما ترى والمراد بالكتاب الجنس المنتظم لجميع الكتب المنزلة وقيل اللوح المحفوظ وكون المراد به ذلك على جميع الأقوال السابقة في الموصول بعيدا جدا وقيل : المراد به الذي أرسل إلى بلقيس ومن ابتدائية وتنكير علم للتفخيم والرمز إلى أنه علم غير معهود قيل : كان ذلك العلم باسم الله تعالى الأعظم الذي إذا سئل به أجاب وقد دعا ذلك العالم به فحصل غرضه وهو ياحي يا قيوم وقيل يا ذا الجلال والاكرام وقيل الله الرحمن وقيل : هو بالعبرانية آهيا شراهيا
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري أنه دعا بقوله : يا الهنا وإله كل شيء الها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها والطرف تحريك الاجفان وفتحها للنظر إلى شيء ثم تجوز به عن النظر وارتداده انقطاعه بانضمام الأجفان ولكونه أمرا طبيعيا غير منط بالقصد أوثر الارتداد فالمعنى ءاتيك به قبل أن ينظم جفن عينيك بعد فتحه وقيل : لا حاجة إلى اعتبار التجوز في الطرف إذ المراد قبل ارتداد تحريك الأجفان بطبقها بعد فتحها وفيه نظر والكلام جار على حقيقته وليس من باب التمثيل للسرعة فقد روي أن آصف قال لسليمان عليه السلام : مد عينيك حتى ينتهي طرفك فمد طرفه فنظر نحو اليمين فقبل أن يرتد اليه حضر العرش عنده وقيل : هو من باب التمثيل فيحتمل أن يكون قد أتي به في مدة طلوع درجة أو درجتين أو نحو ذلك
وعن ابن جبير وقتادة أن الطرف بمعنى المطروف أي من يقع اليه النظر وأن المعنى قبل أن يصل اليك من يقع طرفك عليه في أبعد ما ترى إدا نظرت أمامك وهو كما ترى فلما رءاه مستقرا عنده أي فلما

الصفحة 204