كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

ولاولا قوة واقوم بحقه أم أكفر بان أجد لنفسي مدخلا في البين أو أقصر في إقامة مواجبه كما هو شأن سائر النعم الفائضة على العباد وأخرج ابن المنذر وابن جرير عن ابن جريج أن المعنى ليبلوني أأشكر إذا أتيت بالعرش أم أكفر إذا رأيت من هو أدنى مني في الدنيا أعلم مني ونقل مثله في البحر عن ابن عساكر والظاهر عدم صحته وأبعد منه عن الصحة ما أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي أنه قال لما رآه مستقرا عنده جزع وقال : رجل غيري أقدر على ما عند الله عز و جل مني ولعل الحق الجزم بكذب ذلك وجملة أأشكر الخ في موضع نصب على أنها مقعول ثان لفعل البلوى وهو معلق بالهمزة عنها إجراء له جرى العلم وإن لم يكن مرادفا له
وقيل : محله النصب على البدل من الياء ومن شكر فانما يشكر لنفسه أي لنفعها لأنه يربط به القيد ويستجلب المزيد ويحط به عن ذته عبء الواجب ويتخلص عن وصمة الكفران ومن كفر أي لم يشكر فان ربي غني 9 عن شكره كريم
4
- بترك تعجيل العقوبة والانعام مع عدم الشكر أيضا والظاهر أن من شرطية والجملة المقرونة بالفاء جواب الشرط وجوز أن يكون الجواب محذوفا دل عليه ما قبله من قسيمه والمذكور قائم مقامه أي ومن كفر فعلى نفسه اي فضرر كفرانه عليها وتعقب بانه لايناسب قوله كريم وجوز أيضا أن تكون من موصولة وذخلت الفاء في الخبر لتضمنها معنى الشرط قال أي سليمان عليه السلام كررت الحكاية مع كون المحكي سابقا ولاحقا من كلامه عليه السلام تنبيها عل ما بين السابق واللاحق من المخالفة لما ان الأول من باب الشكر لله عز و جل والثاني أمر لخدمه نكروا لها عرشها أي اجعلوه بحيث لايعرف ولايكون ذلك إلا بتغييره عما كان عليه من الهيئة والشكل ولعل المراد التغيير في الجملة روي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك إنه كان بالزيادة فيه والنقص منه وقيل : بنزع ما عليه من الجواهر وقيل : بجعل اسفله أعلاه ومقدمه مؤخره ولام لها للبيان كما في هيت لك فيدل على أنها المرادة خاصة بالتنكير ننظر بالجزم على أنه جواب الأمر
وقرأ أبو حيوة بالرفع على الاستئناف أتهتدي إلى معرفته أو إلى الجواب اللائق بالمقام وقيل : إلى الايمان بالله تعالى ورسوله عليه السلام إدا رأت تقدم عرشها وقد خلفته مغلقة عليه الأبواب موكلة عليه الحراس والحجاب وحكاه الطبرسي عن الجبائي وفيه أنه لايظهر مدخلية التنكير في الايمان أم تكون أي بالنسبة إلى علمنا من الذين لايهتدون
14
- أي إلى ما ذكر من معرفة عرشها أو الجواب اللائق بالمقام فان كونها في نفس الأمر منهم وإن كان أمرا مستمرا لكن كونها منهم عند سليمان عليه السلام وقومه أمر حادث يظهر بالاختبار فلما جاءت شروع في حكاية التجربة التي قصدها سليمان عليه السلام أي فلما جاءت بلقيس سليمان وقد كان العرش منكرا بين يديه قيل أي من جهة سليمان بالذات أو بالواسطة أهكذا عرشك أي أمثل هذا العرش الذي ترينه عرشك الذي تركتيه ببلادك ولم يقل : أهذا عرشك لئلا يكون تلقينا لها فيفوت ما هو المقصود من الأمر بالتنكير من إبراز العرش في معرض الاشكال والاشتباه حتى يتبين لديه عليه السلام حالها وقد ذكرت عنده عليه السلام بسخافة العقل

الصفحة 206