كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

سليمانسليمان عليه السلام وقرأ سعيد بن جبير وابن أبي عبلة أنها بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل أي لأنها أو جعل المصدر بدلا من فاعل صد بدل اشتمال وقيل : قوله تعالى وأوتينا الخ من كلام قوم سليمان عليهم السلام كأنهم لما سمعوها أجابت السؤال بقولها : كأنه هو قالوا : قد أصابت في جوابها فطبقت المفصل وهي عاقلة لبيبة وقد رزقت الاسلام وعلمت قدرة الله عز و جل وصحة النبوة بالآيات التي تقدمت وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها وعطفوا على ذلك قولهم : وأوتينا العلم بالله تعالى وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده سبحانه قبل علمها ولم نزل على دين الاسلام وكان هذا منهم شكرا لله تعالى على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله تعالى والاسلام قبلها ويوميء إلى هذا المطوي جعل علمهم واسلامهم قبلها وقوله تعالى : وصدها الخ على هذا يحتمل أن يكون من تتمة كلام القوم
ويحتمل أن يكون ابتداء اخبار من جهته عز و جل وعن مجاهد وزهير بن محمد أن وأوتينا من كلام سليمان عليه السلام وفي وصدها الخ عليه أيضا احتمال ولايخفى ما في جعل وأوتينا الخ من كلام القوم أو من كلام سليمان عليه السلام من البعد والتكلف وليس في ذلك جهة حسن سوى اتساق الضمائر المؤنثة
وقيل : إن وأوتينا الخ من تتمة كلامها وقوله تعالى وصدها الخ ابتداء اخبار من جهتخ تعالى لبيان حسن حالها وسلامة اسلامها عن شوب الشرك بجعل فاعل صدها ضميره عز و جل أو ضمير سليمان عليه السلام
وما مصدرية أو موصولة قبلها حرف جر مقدر أي صدها الله تعالى أو سليمان عن عبادتها من دون الله أو عن الذي تعبده من دونه تعالى ونقل ذلك أبو حيان عن الطبري وتعقبه بقوله : وهو ضعيف لايجوز إلا في الشعر نحو قوله
تمرون الديار ولم تعرجوا
وليس في مواضع حذف حرف الجر
وأنت تعلم أن المعنى مع هذا مما لاينشرح له الصدر وأبعد بعضهم كل البعد فزعم أن قوله تعالى وصدها الخ متصل بقوله سبحانه أتهتدي أم تكون من الذين لايهتدون والواو فيه للحال وقد مضمرة وفي البحر أنه قول مرغوب عنه لطول الفصل بينها ولأن التقديم والتأخير لايذهب اليه إلا عند الضرورة ولعمري من أنصف رأي أن ماذكر مما لاينبغي أن يخرج عليه كلام الله تعالى المجير وأنا أقول بعد القيل والقال : إن وجه ربط هذه الجمل مما لايحتاج الى تدقيق النظر فليتأمل والله تعالى الموفق
قيل لها ادخلي الصرح استئناف بياني كأنه قيل فماذا قيل لها بعد الامتحان المذكور فقيل قيل لها ادخلي الخ ولم يعطف على قوله تعالى أهكذا عرشك لئلا يفوت هذا المعنى وجيء بلها هنا دون ما مر لمكان أمرها و الصرح القصر وكل بناء عال ومنه ابن لي صرحا وهو من التصريح وهو الاعلان البالغ
وقال مجاهد الصرح هنا البركة وقال ابن عيسى الصحن وصرحة الدار ساحتها وروي أن سليمان عليه السلام أمر الجن قبل قدومها فبنوا له على طريقها قصرا من زجاج أبيض وأجري من تحته الماء وألقى فيه من دواب البحر السمك وغيره وفي رواية أنهم بنوا له صرحا وجعلوا له طوابيق من قوارير كأنها الماء وجعلوا في ابطن الطوابيق كل ما يكون من الدواب في البحر ثم أطبقوه وهدا أوفق بظاهر الآية ووضع سريره في صدره فجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والانس وفعل ذلك امتحانا لها أيضا على ما قيل : وقيل : ليزيدها استعظاما لأمره وتحقيقا لنبوته وثباتا على الدين وقيل لأن الجن قالوا له عليه السلام إنها شعراء

الصفحة 208