كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الساقين ورجلها كحافر الحمار فأراد الكشف عن حقيقة الحال بذلك وقال الشيخ الأكبر قدس سره ما حاصله إنه أراد أن ينبهها بالعفل على أنها صدقت في قولها في العرش كأنه هو حيث أنه انعدم في سبأ ووجد مثله بين يديه فجعل لها صرحا في غاية اللطف والصفاء كأنه ماء صاف وليس به وهذا غاية الانصاف منه عليه السلام ولا أظن الأمر كما قال والله تعالى أعلم واستدل بالآية على القول بأن أمرها بدخول الصرح ليتوصل به إلى كشف حقيقة الحال على إباحة النظر قبل الخطبة وفيه تفصيل مذكور في كتب الفقه
فلما رأته أي رأت صحته بناء على أن الصرح بمعنى القصر حسبته لجة أي ظنته ماء كثيرا وكشفت عن ساقيها لئلا تبتل أذيالها كما هو عادة من يريد الخوض في الماء وقرأ ابن كثير برواية قنبل سأقيها بهمز الألف ساق حملا له على جمعه سؤق وأسؤق فانه يطرد في الواو المضمومة هي أو ما قبلها قبلها همزة فانجر ذلك بالتبعية إلى المفرد الذي في ضمنه
وفي البحر حكى أبو علي أن أباحية النميري كان يهمز كل واو قبلها ضمة وأنشد : أحب المؤقدين إلى مؤسى
وفي الظاهر أن الهمزة لغة في ساق ويشهد له هذه القراءة الثابتة في السبعة وتعقب بانه يأباه الاشتقاق وأياما كان فقول من قال : إن هذه القراءة لاتصح لايصح قال أي سليمان عليه السلام حين رأى ما اعتراها من الدهشة والرعب وقيل : القائل هو الذي أمرها يدخول الصرح وهو خلاف الظاهر إنه أي ما حسبته لجة صرح ممرد أي مملس ومنه الأمرد للشاب الذي لاشعر في وجهه وشجرة مرداء لاورق عليها ورملة مرداء لاتنبت شيئا والمارد المتعري من الخير من قوارير من الزجاج وهو جمع قارورة
قالت حين عاينت هذا الأمر العظيم رب إني ظلمت نفسي أي بما كنت عليه من عبادة الشمس وقيل : بنظني السوء بسليمان عليه السلام حيث ظنت أنه يريد اغراقها في اللجة وهو بعيد ومثله ما قيل أرادت ظلمت نفسي بامتحاني سليمان حتى امتحنني لذلك بما أوجب كشف ساقي بمرأى منه وأسلمت مع سليمان تابعة له مقيدة به وما في قوله تعالى : لله رب العالمين
44
- من الالتفات إلى الاسم الجليل لاظهار معرفتها بالوهيته تعالى وتفرده باستحقاق العبادة وربوبيته لجميع الموجودات التي من جملتها ما كانت تعبده قبل ذلك من الشمس واختلف في امرها بعد الاسلام فقيل إنه عليه السلام تزوجها وأحبها وأقرها على ملكها وأمر الجن فبنوا له سيلحين وغمدان وكان يزورها في الشهر مرة عندها ثلاثة أيام وولدت له
وأخرج ابن عساكر عن سلمة بن عبد الله بن ربعي أنه عليه السلام أمهرها بعلبك وذكر غير واحد أنها حين كشفت عن ساقيها أبصر عليهما شعرا كثيرا فكره أن يتزوجها كذلك فدعا الانس فقال : ما يذهب بهذا فقالوا : يا رسول الله المواسي فقال : المواسي تقطع ساقي المرأة وفي رواية أنه قيل لها ذلك فقالت لم يمسسني الحديد قط فكره سليمان المواسي وقال : إنها تقطع ساقيها ثم دعا الجن فقالوا مثل ذلك ثم دعا الشياطين فوضعوا له النورة قال ابن عباس وكان ذلك اليوم أول يوم رؤيت فيه النورة وعن عكرمة أو أول من

الصفحة 209