كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وكل الامثال ضربناها للرسول فيكون كلا منصوبا بضربنا وألامثال بدلا منه على ما في البحر وفيه أنه أبعد من ذهب إلى ذلك وعندي أنه مما لاينبغي أن يفسر به كلام الله تعالى
وقوله تعالى : وكلا مفعول مقدم لقوله سبحانه : تبرنا تتبيرا
93
- وتقديمه للفاصلة وقيل لافادة القصر على أن المعنى كلا لا بعضا وتعقب بأن لفظ كل يفيد ذلك ويمكن توجيه ذلك بالعناية وأصل التتبير التفتيت قال الزجاج : كل شيء كسرته وفتته تبرته ومنه التبر لفتات الذهب والفضة والمراد به التمزيق والاهلاك أي أهلكنا كل واحد منهم إهلاكا عجيبا هائلا لما أنهم لم يتأثروا بذلك ولم يرفعوا له رأسا وتمادوا على ما هم عليه من الكفر والعدوان ولقد أتوا جملة مستأنفة مسوقة لبيان مشاهدة كفار قريش لآثار هلاك بعض الأمم المتبرة وعدم اتعاظهم بها وتصديرها بالقسم لتقرير مضمونها اعتناء به وأتي مضمن معنى مر لتعديه بعلى والمعنى بالله لقد مر قريش في متاجرهم إلى الشام
على القرية التي أمطرت مطر السوء وهي سذوم وهي أعظم قرى قوم لوط سميت باسم قاضيها سذوم بالذال المعجمة على ما صححه الأزهري واعتمده في الكشف وفي المثل أجور من سذوم أهلكها الله تعالى بالحجارة وهو المراد بمطر السوء وكذا أهلك سائر قراهم وكانت خمسا إلا قرية واحدة وهي زغر لم يهلكها لأن أهلها لم يعملوا العمل الخبيث كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وافراد القرية بالذكر لما أشرنا اليه وانتصب مطر على أنه مفعول ثان لأمطرت على معنى أعطيت أو أوليت أو على أنه مصدر مؤكد بحذف الزوائد أي امطار السوء كما قيل في أنبتكم من الأرض نباتا وجوز أبو البقاء أن يكون صفة لمحذوف أي امطارا مثل مطر السوء وليس بشيء
وقرأ زيد بن علي مطرت ثلاثيا مبنيا للمفعول ومطر مما يتعدى بنفسه وقرأ ابو السمال مطر السوء بضم السين أفلم يكونوا يرونها توبيخ على تركهم التذكر عند مشاهدة ما يوجبه والهمزة لأنكار نفي استمرار رؤيتهم لها وتقرير استمرارها حسب استمرار ما يوجبها من اتيانهم عليها لا لأنكار استمرار نفي رؤيتهم وتقرير رؤيتهم لها والفاء لعطف مدخولها على مقدر يقتضيه المقام أي ألم يكونوا ينظرون اليها فلم يكونوا يرونها أو كانوا ينظرون اليها فلم يكونوا يرونها في مرار مرورهم ليتعظوا بما كانوا يشاهدونه من ءاثار العذاب
والمنكر في الأول النظر وعدم الرؤية مع وفي أنه أخصر وأظهر قصدا لافادة التكرار مع الاستمرار ولم يصرح في أول الآية بنحو ذلك بأن يقال : ولقد كانوا يأتون بدل ولقد أتوا للاشارة إلى أن المرور ولو مرة كاف في العبرة فتأمل وقوله تعالى : بل كانوا لايرجون نشورا
40
- إما اضراب عما قبله من عدم رؤيتهم لآثار ما جرى على أهل القرى من العقوبة لكون عدم اتعاظهم بسبب انكارهم لكون ذلك عقوبة لمعاصيهم لا لعدم رؤيتهم لآثارها خلا أنه اكتفى عن التصريح بانكارهم ذلك بذكر ما يستلزمه من انكار الجزاء الأخروي وقد كني عن ذلك بعدم رجاء النشور والمراد بالرجاء التوقع مجازا كأنه قيل : بل كانوا لايتوقعون النشور المستتبع للجزاء الأخروي وينكرونه ولا يرون لنفس من النفوس نشورا أصلا مع

الصفحة 21