كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وقريء بضم النون اتباعا لها للباء فاذا هم فريقان يختصمون
54
- أي فاجأ ارسالنا تفرقهم واختصامهم فآمن فريق وكفر فريق وكان ما حكى الله تعالى في محل آخر بقوله سبحانه قال الملأ الذين استكبروا للذين استضعفوا بمن آمن منهم اةية فاذا فجئية والعامل فيها مقدر لا يختصمون خلافا لأبي البقاء لأنه صفة فريقان كما قال ومعمول الصفة لايتقدم على الموصوف وقيل : هذا حديث لايكون المعمول ظرفا وضمير يختصمون لمجموع الفريقين ولم يقل يختصمان للفاصلة ويوهم كلام بعضهم أن الجملة خبر ثان وهو كما ترى وهم راجع الى ثمود لأنه اسم القبيلة وقيل : الى هؤلاء المذكورين ليشمل صالحا عليه السلام والفريقان حينئذ أحدهما صالح وحده وثانيهما قومه
والحامل على هذا كما ذكره ابن عادل العطف بالفاء فانها تؤذن أنهم عقيب الارسال بلا مهلة صاروا فريقين ولا يصير قومه عليه السلام فريقين إلا بعد زمان وفيه أنه يأباه قوله تعالى اطيرنا بك وبمن معك وتعقيب كل شيء بحسبه على أنه يجوز كون الفاء لمجرد الترتيب ولعل فريق الكفرة أكثر ولذا ناداهم بقوله ياقوم كما حكي في قوله تعالى قال يا قوم لجعله في حكم الكل أي قال عليه السلام للفريق الكافر منهم بعد ما شاهد منهم ما شاهد في نهاية العتو والعناد حتى بلغوا من المكابرة الى أن قالوا له عليه السلام ياصالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين متلطفا بهم ياقوم لم تستعجلون بالسيئة اي بالعقوبة التي تسوءكم قبل الحسنة اي التوبة فتؤخرونها إلى حين نزولها حيث كانوا من جهلهم وغوايتهم يقولون ان وقع إبعاده تبنا حينئذ وإلا فنحن على ما نحن عليه لولا تستغفرون الله أي هلا تستغفرونه تعالى قبل نزولها لعلكم ترحمون
64
- بقبولها إذ سنة الله تعالى عدم القبول عند النزول وقد خاطبهم عليه السلام على حسب تخمينهم وجهلهم في ذلك بأن ما خمنوه من التوبة إذ ذاك فاسدة وأن استعجالهم ذلك خارج من المعقول والتقابل بين السيئة والحسنة بالمعنى الذي سمعت حاصل من كون أحدهما حسنا والآخر سيئا وقيل : المراد بالسيئة تكذيبهم إياه عليه السلام وكفرهم به وبالحسنة تصديقهم وايمانهم والمراد من قوله لم تستعجلون الخ لومهم على المسارعة إلى تكذيبهم إياه وكفرهم به وحضهم على التوبة من ذلك بترك التكذيب والايمان وحاصله لومهم على ايقاع التكذيب عند الدعوة دون التصديق وحضهم على تلافي ذلك وإيهام الكلام انتفاء اللوم على إيقاع التكذيب بعد التصديق مما لايكاد يلتفت اليه ولايخفى بعد طي الكشح عن المناقشة وايهام الكلام انتفاء اللوم على ايقاع التكذيب بعد التصديق مما لايكاد يلتفت اليه ولايخفى بعد شي الكشح عن المناقشة فيما ذكر أن المناسب لما حكى الله تعالى عن القوم في سورة الاعراف ولما جاء في الآثار هو المعنى الأول ومن هنا ضعف ماروي عن مجاهد من تفسير الحسنة برحمة الله تعالى لتقابل السيئة المفسرة بعقوبته عز و جل ويكون المراد من استعجالهم بالعقوبة قبل الرحمة طلبهم إياها دون الرحمة فتأمل قالوا اطيرنا أصله تطيرنا وقريء به فادغمت التاء في الطاء وزيدت همزة الوصل ليتأتى الابتداء والتطير التشاؤم عبر عنه بذلك لما أنهم كانوا إذا خرجوا مسافرين فيمرون بطائر يزجرونه فان مر سانحا بان مر من ميامن الشخص إلى مياسره تيمنوا وإن مر بارحا بان مر من المياسرة إلى الميامن تشاءموا لأنه لايمكن للمار به كذلك أن يرميه حتى ينحرف فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان سببا لهما من قدر الله تعالى وقسمته عز و جل أو من عمل العبد الذي هو سبب الرحمة والنعمة أي تشاءمنا بك وبمن معك في دينك حيث تتابعت علينا الشدائد وقد كانوا قحطوا ولم نزل في اختلاف وافتراق مذ اخترعتم دينكم وتشاؤمهم يحتمل أن يكون من المجموع وأن يكون من كل المتعاطفين

الصفحة 211