كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

قال طائركم أي سببكم الذي منه ينالكم ما ينالكم من الشر عند الله وهو قدره سبحانه أو عملكم المكتوب عنده عز و جل بل أنتم قوم تفتنون
74
- اضراب عن بيان طائرهم الذي هو مبدأ ما يحيق بهم إلى ذكر ما هو الداعي اليه أي بل أنتم قوم تختبرون بتعاقب السراء والضراء أو تعذبون أو يفتنكم الشيطان بوسوسته اليكم الطيرة وجاء تفتنون بتاء الخطاب على مراعاة أنتم وهو كثير في لسان العرب ويجوز في مثل هذا التركيب يفتنون بياء الغيبة على مراعاة لفظ قوم وهو قليل في لسانهم وكان في المدينة أي في مدينة ثمود وقريتهم وهي الحجر تسعة رهط هو اسم جمع يطلق على العصابة دون العشرة كما قال الراغب وفي الكشاف هو من الثلاثة أو من السبعة إلى العشرة وقيل : بل يقال إلى الاربعين وليس بمقبول وأصله على ما نقل عن الكرماني من الترهيط وهو تعظيم اللقم وشدة الأكل وقد أضيف العدد اليه وقد اختلف في جواز اضافته إلى اسم الجمع فذهب الأخفش إلى أنه لاينقاس وما ورد من الاضافة اليه فهو على سبيل الندور وقد صرح سيبويه أنه لايقال ثلاث غنم
وذهب قوم إلى أنه يجوز ذلك وينقاس وهو مع ذلك قليل وفصل قوم بين أن يكون اسم الجميع للقليل كرهط ونفر وذود فيجوز أن يضاف اليه إجراء له مجرى جمع القلة أو للكثير أو يستعمل لهما فلا يجوز اضافته اليه بل إذا أريد تمييزه به جيء به مقرونا بمن كخمسة من القوم وقال تعالى فخذ أربعة من الطير وهو قول المازني واختار غير واحد أن اضافة تسعة الى رهط ههنا باعتبار ان رهطا لكونه اسم جمع للقليل في حكم أشخاص ونحوه من جمع القلة وهي يضاف اليها العدد كتسعة أشخاص وتسع أنفس وهذا معنى قولهم : إن وقوع رهط تمييزا لتسعة باعتبار المعنى فكأنه قيل تسعة أشخاص وقيل : أي تسعة أنفس وتأنيث العدد لأن المذكور في النظم الكريم رهط وهو مذكر فليس ذاك من غير الفصيح كقوله ثلاثة أنفس وثلاث ذود نعم تقدير ما تقدم أسلم من المناقشة وأما ما قيل أي تسعة رجال ففيه الغفلة عما أشرنا اليه ثم أنه ليس المراد أن الرهط بمعنى الشخص أو بمعنى النفس بل أن التسعة من الأشخاص أو من الأنفس هي الرهط فليس المعدود بالتسعة ما دل عليه الرهط من الجماعة ليكون هناك تسع جماعات لاتسعة أفراد
وقال الامام الأقرب أن يكون المراد تسعة جمع إد الظاهر من الرهط الجماعة ثم يحتمل أنهم كانوا قبائل ويحتمل أنهم دخلوا تحت العدد لاختلاف صفاتهم وأحوالهم لا لاختلاف النسب اه وقيل : كان هؤلاء التسعة رؤساء مع كل واحد منهم رهط ولذا قيل تسعة رهط وأسماؤهم عن وهب الهذيل بن عبد رب وغنم بن غنم ودباب بن مهرج وعمير بن كردية وعاصم بن مخرمة وسبيط بن صدقة وسمعان بن صفي وقدار بن سالف وهم الذين سعوا في عقر الناقة وكانوا عتاة قوم صالح ومن أبناء أشرافهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن اسماءهم دعمى ودعيم وهرمي وهريم ودواب وصواب ودياب ومسطح وقدار وهو الذي عقر الناقة يفسدون في الأرض لافي المدينة فقط افسادا بحتا لايخالطه شيء من الصلاح كما ينطق به قوله تعالى ولايصلحون
84
- أي لايفعلون شيئا من الاصلاح أو لايصلحون شيئا من الأشياء والمراد أن عادتهم المستمرة ذلك الافساد كما يؤذن به المضارع والجملة في موضع الصفة لرهط أو لتسعة
قالوا استئناف ببيان بعض ما فعلوا من الفساد أي قال بعضهم لبعض في أثناء المشاورة في أمر صالح

الصفحة 212