كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

عليه السلام وكان ذلك على ما روي عن ابن عباس بعد أن عقروا الناقة أنذرهم بالعذاب وقوله تمتعوا في داركم ثلاثة أيام الخ تقاسموا بالله أمر من التقاسم أي التحالف وقع مقول القول وهو قول الجمهور
وجوز أن يكون فعلا ماضيا بدلا من قالوا أو حالا من فاعله بتقدير قد أو بدونها أي قالوا متقاسمين ومقول القول لنبيتنه وأهله الخ وجوز أبو حيان على هذا أن يكون بالله من جملة المقول والبيات مباغتة العدو ومفاجأته بالايقاع به ليلا وهو غافل وأرادوا قتله عليه السلام وأهله ليلا وهم غافلون وعن الاسكندر أنه أشير عليه بالبيات فقال : ليس من آيين الملوك استراق الظفر
وقرأ ابن أبي ليلى تقسموا بغير ألف وتشديد السين والمعنى كما في قراءة الجمهور وقرأ الحسن وحمزة والكسائي لتبيتنه بالتاء على خطاب بعضهم لبعض وقرأ مجاهد وابن وثاب وطلحة والأعمش ليبتنه بياء الغيبة و تقاسموا على هذه القراءة لايصح إلا أن يكون خبرا بخلافه عن القراءتين الأوليين فانه يصح أن يكون خبرا كما يصح أن يكون أمرا وذلك لأن الأمر خطاب والمقسم عليه بعده لو نظر إلى الخطاب وجب تاء الخطاب ولو نظر إلى صيغة قولهم عند الحلف وجب النون فاما ياء الغائب فلا وجه له وإما إذا جعل خبرا فهو على الغائب كما تقول حلف ليفعلن ثم لنقولن لوليه أي لولي صالح والمراد به طالب ثأره من ذوي قرابته إذا قتل وقرأ لتقولن بالتاء من قرأ لتبيتنه كذلك وقرأ ليقولن بياء الغيبة من قرأ بها فيما تقدم وقرأ حميد بن قيس بياء الغيبة وهذا بالنون قيل : والمعنى على ذلك قالوا متقاسمين بالله ليبيتنه قوم منا ثم لنقولن جميعا لوليه ما شهدنا مهلك أهله أي ما حضرنا هلاكهم على أن مهلك مصدر كمرجع أو مكان هلاكهم على أنه للمكان أو زمان هلاكهم على أنه للزمان والمراد نفي شهود الهلاك الواقع فيه واختاروا نفي شهود مهلك أهله على نفي قتلهم إياهم قصدا للمبالغة كأنهم قالوا ما شهدنا ذلك فضلا عن أن نتولى أهلاكهم ويعلم من ذلك نفي قتلهم صالحا عليه السلام أيضا لأن من لم يقتل اتباعه كيف يقتله وقيل في الكلام حذف أي ما شهدنا مهلك أهله ومهلكه واستظهره أبو حيان ثم قال وحذف مثل هذا المعطوف جائز في الفصيح كقوله تعالى : سرابيل تقيكم الحر أي والبرد وقال الشاعر : فما كان بين الخير لو جاء سالما أبو حجر الا ليال قلائل أي بين الخير وبيني اه وفيه مالا يخفى وقيل : الضمير في أهله يعود على الولي والمراد باهل الولي صالح وأهله واعترض بانه لو أريد أهل الولي لقيل أهلك أو أهله ومنع بان ذلك غير لازم فقد قريء قل للذين كفروا ستغلبون بالخطاب والغيبة ووجه ذلك ظاهر نعم رجوع الضمير الى الولي خلاف الظاهر كما لايخفى وقرأ الجمهور مهلك بضم الميم وفتح اللام من أهلك وفيه الاحتمالات الثلاث وقرأ أبو بكر مهلك بفتحها على أنه مصدر وإنا لصادقون
94
- عطف على ماشهدنا كما ذهب اليه الزجاج والمعنى ونحلف وإنا لصادقون وجوز أن تكون الواو للحال أي والحال إنا لصادقون فيما ذكرنا واستشكل ادعاؤهم الصدق في ذلك وهم عقلاء ينفرون عن الكذب ما أمكن وأجيب بأن حضور الأمر غير مباشرته في العرف لأنه لايقال لمن قتل رجلا أنه حضر قتله وإن كان الحضور لازما للمباشرة فحلفوا على المعنى العرفي على العادة في الايمان وأوهموا الخصم

الصفحة 213