كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

أنهم أرادوا معناه اللغوي فهم صادقون غير حانثين وكونهم من أهل التعارف أيضا لايضر بل يفيد فائدة تامة وقال الزمخشري كأنهم اعتقدوا أنهم إدا بيتوا صالحا وبيتوا أهله فجمعوا بين البياتين ثم قالوا ما شهدنا مهلك أهله فذكروا أحدهما كانوا صادقين لأنهم فعلوا البياتين جميعا لا أحدهما وتعقب بأن من فعل أمرين وجحد أحدهما لم يكن في كذبه شبهة وإنما تتم الحيلة لو فعلوا أمرا واحدا أو أدعى عليهم فعل أمرين فجحدوا المجموع ولذا لم يختلف العلماء في أن من حلف لا أضرب زيدا فضرب زيدا وعمرا كان حانثا بخلاف من حلف لا أضرب زيدا وعمرا ولا آكل رغيفين فأكل أحدهما فانه محل خلاف للعلماء في الحنث وعدمه والحق أن تبرئتهم من الكذب فيما ذكر غير لازمة حتى يتكلف لها وهم الذين كذبوا على الله تعالى ورسوله عليه السلام وارتكبوا ما هو أقبح من الكذب فيما ذكر ومقصود الزمخشري تأييد ما يزعمه هو وقومه من قاعدة التحسين والتقبيح بالعقل بموافقة قوم صالح عليها ولايكاد يتم له ذلك ومكروا مكرا بهذه المواضعة ومكرنا مكرا وهم لايشعرون
5
- أي أهلكناهم اهلاكا غير معهود أو جازينا مكرهم من حيث لايحتسبون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم شروع في بيان ما ترتب على ما باشروه من المكر والظاهر أن كيف خبر مقدم لكان و عاقبة الاسم أي كان عاقبة مكرهم واقعة على وجه عجيب يعتبر به والجملة في محل نصب على أنها مفعول أنظر وهي معلقة لمكان الاستفهام والمراد تفكر في ذلك
وقوله تعالى : أنا دمرناهم في تأويل مصدر وقع بدلا من عاقبة مكرهم أو خبر مبتدأ محذوف هو ضمير العاقبة والجملة مبينة لما في عاقبة مكرهم من الابهام أي هو أو هي تدميرنا وأهلاكنا إياهم وقومهم الذين لم يكنوا منهم في مباشرة التبييت أجمعين
15
- بحيث لم يشذ منهم شاذا أو هو على تقدير الجار أي لتدميرنا إياهم أو بتدميرنا إياهم ويكون ذلك تعليلا لما ينبيء عنه الأمر بالنظر في كيفية عاقبة أمرهم من الهول والفظاعة وجوز بعضهم كونه بدلا من كيف وقال آخرون : لايجوز ذلك لأن البدل عن الاستفهام يلزم فيه إعادة معرفة كقولك كيف زيد أصحيح أم مريض
وجوز أن يكون هو الخبر لكان وتكون كيف حينئذ حالا والعامل فيها كان أو ما يدل عليه الكلام من معنى الفعل ويجور أن تكون كان تامة و كيف 9 عليه حال لاغير والاحتمالات الجائزة في أنا دمرناهم لاتخفى
وقرأ الأكثر إنا بكسر الهمزة فكيف خبر كان و عاقبة اسمها وجملة إنا دمرناهم استئناف لتفسير العاقبة وجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف قال الخفاجي : الظاهر أنه الشأن أو ضميره لاشيء آخر مما يحتاج للعائد ليعترض عليه بعدم العائد ولايرد عليه أن ضمير الشأن المرفوع منع كثير من النحويين حذفه فانه غير مسلم ويجوز أن تكون كان تامة و كيف حال كما تقدم ولم يجوز الجمهور كونها ناقصة والخبر جملة انا دمرناهم لعدم الرابط وقيل : يجوز ويكفي للربط وجود ما يرجع إلى متعلق المبتدأ إذ رجوعه اليه نفسه غير لازم وهو تكلف وإنما يتمشى على مذهب الأخفش القائل إدا قام بعض الجملة مقام مضاف إلى العائد اكتفى به وغيره من النحاة يأباه وجوز أبو حيان على كلتا القراءتين أن تكون كان زائدة و عاقبة مبتدأ و كيف خبر مقدم له

الصفحة 214