كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وقرأ أبي أن دمرناهم بان التي من شأنها أن تنصب المضارع ويجري في المصدر الاحتمالات السابقة فيه على قراءة أنا بفتح الهمزة وهذا وفي كيفية التدمير خلاف فروي أنه كان لصالح عليه السلام مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا بعد ثلاث فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذا جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم فبعث الله تعالى صخرة من الهضب حيالهم فبادروا فطبقت عليهم فم الشعب فلم يدر قومهم أين هم ولم يدر ما فعل بقومهم وعذب الله تعالى كل منهم في مكانه ونجى صالحا ومن معه وقيل : جاؤا بالليل شاهري سيوفهم وقد أرسل الله تعالى ملائكة ملء دار صالح عليه السلام فرموهم بالحجارة يرونها ولايرون راميا هلك سائر القوم بالصيحة وقيل : إنهم عزموا على تبييته عليه السلام وأهله فاخبر الله تعالى بذلك صالحا فخرج عنهم ثم أهلكهم بالصيحة وكان ذلك يوم الأحد فتلك بيوتهم جملة مقررة لما قبلها وقوله تعالى خاوية أي خالية أو ساقطة متهدمة أعاليها على أسافلها كما روي عن ابن عباس بما ظلموا أي بسبب ظلمهم المذكور حال من بيوتهم والعامل فيها معنى الاشارة وقرأ عيسى بن عمر خاوية بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف اي هي خاوية أو خبر بعد خبر لتلك أو خبر لها و بيوتهم بدل وبيوتهم هذه هي التي قال فيها صلى الله عليه و سلم لأصحابه عام تبوك لاتدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين الحديث وهي بوادي القرى بين المدينة والشام إن في ذلك أي فيما ذكر من التدمير العجيب بظلمهم لآية لعبرة عظيمة لقوم يعلمون
25
- أي ما من شأنه أن يعلم من الاشياء أو لقوم يتصفون بالعلم وقيل : لقوم يعلمون هذه القصة وليس بشيء وفي هذه الآية على ما قيل دلالة على الظلم يكون سببا لخراب الدور
وروي عن ابن عباس أنه قال أجد في كتاب الله تعالى أن الظلم يخرب البيوت وتلا هذه الآية وفي التوراة ابن آدم لاتظلم يخرب بيتك قيل : وهو اشارة إلى هلاك الظالم إذ خراب بيته متعقب هلاكه ولايخفى أن كون الظلم بمعنى الجور والتعدي على عباد الله تعالى سببا لخراب البيوت مما شوهد كثيرا في هذه الاعصار وكونه بمعنى الكفر كذلك ليس كذلك نعم لايبعد أن كيون على الكفرة يوم تخرب فيه بيوتهم إن شاء الله تعالى وأنجينا الذين ءامنوا صالحا ومن معه من المؤمنين وكانوا يتقون
35
- من الكفر والمعاصي اتقاء مستمرا فلذا خصوا بالنجاة روي أن الذين آمنوا به عليه السلام كانوا أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضرموت وحين دخلها مات ولذلك سميت بهذا الاسم وبنى المؤمنون بها مدينة يقال لها حاضورا وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر ولوطا منصوب بمضمر معطوف على أرسلنا في صدر قصة صالح عليه السلام داخل معه في حيز القسم وأرسلنا لوطا إذ قال لقومه ظرف للارسال على أن المراد به أمر ممتد وقع فيه الارسال وما جرى بينه وبين قومه من الأحوال والأقوال وجوز أن يكون منصوبا باضمار اذكر معطوفا على ما تقدم عطف قصة على قصة و إذ بدل منه بدل اشتمال وليس بذاك وقيل : هو معطوف على صالحا وتعقب بانه غير مستقيم لأن صالحا بدل أو عطف بيان لأخاهم وقد قيد بقيد مقدم عليه وهو إلى ثمود فلو عطف عليه تقيد به ولا يصح لأن لوطا عليه السلام لم يرسل إلى ثمود وهو متعين إذا تقدم القيد بخلاف مالو تأخر وقيل إن تعيينه غير مسلم إذ يجوز عطفه على مجموع القيد والمقيد خلاف المألوف في الخطابيات وارتكاب مثله تعسف لايليق وجوز أن يكون عطفا على الذين ءامنوا

الصفحة 215