كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وتعقب بأنه لايناسب أساليب سرد القصص من عطف إحدى القصتين على الأخرى لا على تتمة الأولى وذيلها كما لايخفى أتأتون الفاحشة أي أتفعلون الفعلة المتناهية في القبح والسماجة والاستفهام انكاري
وقوله تعالى : وانتم تبصرون
45
- جمع حالية من فاعل تأتون مفيدة لتأكيد الانكار فان تعاطي القبيح من العالم بقبحه أقبح وأشنع و تبصرون من بصر القلب أي أتفعلونها والحال أنتم تعلمون علما يقينيا كونها كذلك
ويجوز أن يكون من بصر العين أي وانتم ترون وتشاهدون كونها فاحشة على تنزيل ذلك لظهوره منزلة المحسوس وقيل : مفعول تبصرون من المحسوسات حقيقة أي وأنتم تبصرون آثار العصاة قبلكم أو أنتم ينظر بعضكم بعضا لايستتر ولا يتحاشى من إظهار ذلك لعدم أكتراثكم به ووجه إفادة الجملة على الاحتمالين تأكيد الانكار أيضا ظاهر وقوله تعالى أئنكم لتأتون الرجال شهوة تثنية للانكار وبيان لما يأتونه من الفاحشة بطريق التصريح بعد الابهام وتحلية الجملة بحرفي التأكيد للايذان بأن مضمونها مما لايصدق وقوعه أحد لكمال شناعته وإيراد المفعول بعنوان الرجولية دون الذكورية لتربية التقبيح وبيان اختصاصه ببني آدم وتعليل الاتيان بالشهوة تقبيح على تقبيح لما أنها ليست في محلها وفيه إشارة إلى أنهم مخطئون في محلهافعلا وفي قوله تعالى من دون النساء أي متجاوزين النساء اللاتي هن محال الشهوة إشارة إلى أنهم مخطئون فيه تركا ويعلم مما ذكرنا أن شهوة مفعول له للاتيان وجوز أن يكون حالا
بل أنتم قوم تجهلون
55
- أي تفعلون فعل الجاهلين بقبح ذلك أو يجهلون العاقبة أو الجهل بمعنى السفاهة والمجون أي بل أنتم قوم سفهاء ماجنون كذا في الكشاف وأياماكان فلا ينافي قوله تعالى : وأنتم تبصرون ولم يرتض ذلك الطيبي وزعم أن كلمة الاضراب تأباه : ووجه الآية بأنه تعالى لما أنكر عليهم فعلهم على الاجمال وسماه فاحشة وقيده بالحال المقررة لجهة الاشكال تتميما للانكار بقوله تعالى : وانتم تبصرون أراد مزيد ذلك التوبيخ والانكار فكشف عن حقيقة تلك الفاحشة واشار سبحانه إلى ما أشار ثم اضرب عن الكل بقوله سبحانه : بل أنتم الخ أي كيف يقال لمن يرتكب هذه الفحشاء وأنتم تعلمون فاولى حرف الاضراب ضمير انتم وجعلهم قوما جاهلين والتفت في تجهلون موبخا معيرا اه وفيه نظر والقول بالالتفات هنا مما قاله غيره أيضا وهو التفات من الغيبة التي في قوم إلى الخطاب في تجهلون وتعقبه الفاضل السالكوتي بانه وهم إذ ليس المراد بقوم قوم لوط حتى يكون المعبر عنه في الاسلوبين واحدا كما هو شرط الالتفات بل معنى كل حمل على قوم لوط عليه السلام
وقال بعض الأجلة : إن الخطاب فيه مع أنه صفة لقوم وهو اسم ظاهر من قبيل الغائب لمراعاة المعنى لأنه متحد مع أنتم لحمله عليه وجعله غير واحد مما غلب فيه الخطاب وأورد عليه أن في التغليب تجوزا ولا تجوز هنا وأجيب بأن نحو تجهلون موضوع للخطاب مع جماعة لم يذكروا بلفظ غيبة وهنا ليس كذلك فكيف لايكون فيه تجوز وقيل قولهم إن في التغليب تجوزا خارج مخرج الغالب وقال الفاضل السالكوتي إن قوله تعالى : بل أنتم الخ من المجاز باعتبار ما كان فإن المخاطب في تجهلون باعتبار كون القوم مخاطبين في التعبير بانتم فلا يرد أن اللفظ لم يستعمل فيه في غير ما وضع له ولا الهيئة التركيبية 20

الصفحة 216