كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)
تحققه حتما وشموله للنس عموما وإطراده وقوعا فكيف يعترفون بالجزاء الدنيوي في حق طائفة خاصة مع عدم الاطراد والملازمة بينه وبين المعاصي حتى يتذكروا ويتعظوا بما شاهدوه من آثار الهلاك وإنما يحملونه على الاتفاق وإا انتقال من التوبيخ بما ذكر من ترك التذكر إلى التوبيخ بما هو أعظم منه من عدم الرجاء النشور وحمل الرجاء على التوقع وعموم النشور أوفق بالمقام وقيل : هو على حقيقته أعني انتظار الخير والمراد بالنشور نشور فيه خير كنشور المسلمين
وجوز أن يكون الرجاء بمعنى الخوف على لغة تهامة والمراد بالنشور نشورهم والكل كما ترى
وإذا رأوك إن يتخذونك أي ما يتخذونك إلا هزوا على معنى ما يفعلون به الا اتخاذك هزوا أي موضع هزو أو مهزوا به فهزوا إا مصدر بمعنى المفعول مبالغة أو هو بتقدير مضاف وجملة إن يتخذونك جواب إذا وهي كما قال أبو حيان وغيره تنفرد بوقوع جوابها المنفي بأن ولا وما بدون فاء بخلاف غيرها من ادوات الشرط وقوله تعالى : أهذا الذي بعث الله رسولا
14
- مقول قول مضمر أي يقول أهذا الخ والجملة في موضع الحال من فاعل يتخذونك أو مستأنفة في جواب ماذا يقولون
وجوز أن يكون الجواب وجملة ان يتخذونك معترضة وقائل ذلك أبو جهل ومن معه وروي أن الآية نزلت فيه والاشارة للاستحقار كما في يا عجبا لابن عمر وهذا وعائد الموصول محذوف أي بعثه و رسولا حال منه وهو بمعنى مرسل وجوز أبو البقاء أن يكون مصدرا حذف منه المضاف أي ذا رسول أي رسالة وهو تكلف مستغنى عنه وإخراج بعث الله تعالى إياه صلى الله عليه و سلم رسولا بجعله صلة وهم على غاية الانكار تهكم واستهزاء وإلا لقالوا : أبعث الله هذا رسولا وقيل : إن ذلك بتقدير أهذا الذي بعث الله رسولا في زعمه وما تقدم أوفق بحال اولئك الكفرة مع سلامته من التقدير إن كاد ان مخففة من ان واسمها عند بعض ضمير الشأن محذوف أي إنه كاد ليضلنا عن ءالهتنا أي ليصرفنا عن عبادتها صرفا كليا بحيث يبعدنا عنها لا عن عبادتها فقط والعدول إلى الاضلال لغاية ضلالهم بادعاء أن عبادتها طريق سوي
لولا أن صبرنا عليها ثبتنا عليها واستمكنا بعبادتها و لولا في أمثال هذا الكلام يجري مجرى التقييد للحكم المطلق من حيث المعنى دون اللفظ وهذا اعتراف منهم بأنه صلى الله عليه و سلم قد بلغ من الاجتهاد في الدعوة إلى التوحيد واظهار المعجزات وإقامة الحجج والبينات ما شارفوا به أن يتركوا دينهم لولا فرط لجاجهم وغاية عنادهم ولا ينافي هذا استحقارهم واستهزائهم السابق لأن هذا من وجه وذاك من وجه آخر زعموه سببا لذلك قاتلهم الله تعالى وقيل : إن كلامهم قد تناقض لاضطرابهم وتحيرهم فان الاستفهام السابق دال على الاستحقار وهذا دال على قووة حجته وكما عقله صلى الله عليه و سلم ففيما حكاه سبحانه عنهم تحميق وتجهيل لاستهزائهم بما استعظموه
وقيل عليه : إنه ليس بصريح في اعترافهم بما ذكر بل الظاهر أنه أخرج في معرض التسليم تهكما كما في قولهم بعث الله رسولا وفيه منع ظاهر والتناقض مندفع كما لايخفى
وسوف يعلمون حين يرون العذاب الذي يستوجبه كفرهم وعنادهم من أضل سبيلا
24
- أي يعلمون جواب هذا على أن من استفهامية و أضل خبرها والجملة في موضع مفعولي يعلمون إن كانت