كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)
تعدت الى مفعولين أو في موضع مفعول واحد إن كانت متعدية الى واحد أو يعلمون الذي هو أضل على أن من موصولة مفعول يعلمون وأضل خبر مبتدأ محذوف والجملة صلة الموصول وحذف صدر الصلة وهو العائد لطولها بالتمييز وكان أولئك الكفرة لما جعلوا دعوته صلى الله عليه و سلم إلى التوحيد إضلالا حيث قالوا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا الخ والمضل لغيره لابد أن يكون ضالا في نفسه جيء بهذه الجملة ردا عليهم ببيان أنه عليه الصلاة و السلام هاد لامضل على أبلغ وجه فانها تدل على نفي الضلال عنه صلى الله عليه و سلم لأن المراد أنهم يعلمون أنهم في غاية الضلال لا هو ونفي اللازم يقتضي نفي ملزومه فيلزمه أن يكون عليه الصلاة و السلام هاديا لامضلا وفي تقييد العلم بوقت رؤية العذاب وعيد لهم وتنبيه على أنه تعالى لايهملهم وإن أمهلهم أرأيت من اتخذ إلهه هواه تعجب لرسول الله صلى الله عليه و سلم من شناعة حالهم بعد حكاية قبائحهم من الاقوال والافعال والتنبيه على مالهم من المصير والمآل وتنبيه على أن ذلك من الغرابة بحيث يجب أن يرى ويتعجب منه والظاهر أن رأى بصرية و من مفعولها وهي اسم موصول والجملة بعدها صلة و اتخذ متعدية لمفعولين أولهما هواه وثانيهما إلهه وقدم على الاول للاعتناء به من حيث أنه يدور عليه أمر التعجيب لامن حيث أن الاله يستحق التعظيم والتقديم كما قيل أي أرأيت الذي جعل هواه إلها لنفسه بأن أطاعه وبنى عليه أمر دينه معرضا عن استماع الحجة الباهرة وملاحظة البرهان النير بالكلية على معنى انظر اليه وتعجب منه وقال ابن المنير في تقديم المفعول الثاني هنا نكتة حسنة وهي افادة الحصر فان الكلام قبل دخول أرأيت واتخذ الأصل فيه هواه إلهه على أن هواه مبتدأ خبره الهه فاذا قيل إلهه هواه كان في تقديم الخبر على المبتدأ وهو يفيد الحصر فيكون معنى الآية حينئذ أرأيت من لم يتخذ معبوده إلا هواه وذلك أبلغ في ذمه وتوبيخه
وقال صاحب الفرائد : تقديم المفعول الثاني يمكن حيث يمكن تقديم الخبر على المبتدأ والمعرفتان إذا وقعتا مبتدأ وخبر فالمقدم هو المبتدأ فمن جعل ما هنا نظير قولك : علمت منطلقا زيدا فقد غفل عن هذا ويمكن أن يقال : المتقدم ههنا يشعر بالثبات بخلاف المتأخر فتقدم الهه يشعر بأنه لابد من إلهه فهو كقولك اتخذ ابنه غلامه فانه يشعر بأن له ابنا ولا يشعر بأن له غلاما فهذا فائدة تقديم إلهه على هواه وتعقب ذلك الطيبي فقال : لايشك في أن مرتبة المبتدأ التقديم وأن المعرفتين أيهما قدم كان المبتدأ لكن صاحب المعاني لايقطع نظره عن أصل المعنى فاذأ قيل : زيد الأسد فالاسد هو المشبه به أصالة ومرتبته التأخير عن المشبه بلا نزاع فاذا جعلته مبتدأ في قولك : الأسد زيد فقد أرلته عن مقره الأصلي للمبالغة وما نعني بالمقدم إلا المزال عن مكانه لا القار فيه فالمشبه به ههنا إلا له والمشبه الهوى لأنهم نزلوا أهواءهم في المتابعة منزلة الاله فقدم المشبه به الأصلي وأوقع مشبها ليؤذن بأن الهوى في باب استحقاق العبادة عندهم أقوى من الاله عز و جل كقوله تعالى قالوا انما البيع مثل الربا ولمح صاحب المفتاح الى هذا المعنى في كتابه
وأما المثال الذي أورده صاحب الفرائد فمعنى قوله : اتخذ ابنه غلامه جعل ابنه كالغلام يخدمه في مهنة أهله وقوله : اتخذ غلامه ابنه جعل غلامه كابنه مكرما مدللا اه وأنت تعلم ما في قوله : إن المعرفتين أيهما قدم كان المبتدأ فان الحق ان الأمر دائر مع القرينة والقرينة هنا قائمة على أن الهه الخبر وهي عقلية لأن المعنى على ذلك فلا حاجة إلى جعل ذلك من التقديم المعنوي وقال شيخ الاسلام : من توهم أنهما على الترتيب بناء على