كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

تساويهما في التعريف فقد زل عنه أن المفعول الثاني في هذا الباب هو الملتبس بالحالة الحادثة وفي ذلك رد على أبي حيان حيث أوجب كونهما على الترتيب
ونقل عن بعض المدنيين أنه قرأ ءالهة منونة على الجمع وجعل على التقديم والتأخير والمعنى جعل كل جنس من هواه الها وذكر أيضا أن ابن هرمز قرأ الهة على وزن فعالة وهو أيضا من التقديم والتأخير أي جعل هواه إلهه بمعنى ماولهة أي معبودة والهاء للمبالغة فلذلك صرفت وقيل : بل الالاهة الشمس ويقال ألاهة بضم الهمرة وهي غير مصروفة للعلمية والتأنيث لكنها لما كانت مما يدخلها لام التعريف في بعض اللغات صارت بمنزلة ما كان فيه اللام ثم نرعت فلذلك صرفت وصارت كالمنكر بعد التعريف قاله صاحب اللوامح وهو كما ترى والآية نزلت على ما قيل في الحرث بن قيس السهمي كان كلما هوى حجرا عبده وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : كان الرجل يعبد الحجر الأبيض رمانا من الدهر في الجاهلية فاذا وجد أحسن منه رمى به وعبد الآخر فأنزل الله تعالى أرأيت الخ وزعم بعضهم لهذا ونحوه أن هواه بمعنى مهويه وليس بلازم كما لايخفى
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية كلما هوى شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه لايحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى فالآية شاملة لمن عبد غير الله تعالى حسب هواه ولمن أطاع الهوى في سائر المعاصي وهو الذي يقتضيه كلام الحسن فقد أخرج عنه عبد بن حميد أنه قيل له : أفي أهل القبلة شرك فقال : نعم المنافق مشرك يسجد للشمس والقمر من دون الله تعالى وإن المنافق عبد هواه ثم تلا هذ الآية والمنافق عند الحسن مرتكب المعاصي كما ذكره غير واحد من الأجلة
وقد أخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله تعالى أعظم من الله عز و جل من هوى يتبع ولا يكاد يسلم على هذا من عموم الآية إلا من اتبع ما اختاره الله تعالى لعباده وشرعه سبحانه لهم في كل ما يأتي ويذر وعليه يدخل الكافر فيما ذكر دخولا أوليا أفأنت تكون عليه وكيلا
34
- استئناف مسوق لاستبعاد كونه صلى الله عليه و سلم حفيظا على هذا المتخذ يزجره عما هو عليه من الضلال ويرشده إلى الحق طوعا أو كرها وإنكاره له والفاء لترتيب الانكار على ما قبله من الحالة الموجبة له كأنما قيل : ابعد ما شاهدت غلوه فى طاعة الهوى تعسره على الانقياد إلى الهدى شاء أو أبى وجوز أن تكون رأي علمية وهذ الجملة في موضع المفعول الثاني وليس بذاك
وقوله تعالى : أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إضراب وانتقال عن الأنكار المذكور في إنكار حسبانه صلى الله تعالى عليه وسلم إياهم ممن يسمع أو يعقل حسبما ينبيء عنه جده عليه الصلاة و السلام في الدعوة واهتمامه بالارشاد والتذكيرعلى معنى أنه لاينبغي أن يقع أي بل أتحسب أن أكثرهم يسمعون حق السماع ما تتلو عليهم من اةيات القرآنية أو يعقلون ما أظهر لهم من الآيات الآفاقية والأنفسية فتعتني في شأنهم وتطمع في ايمانهم ولما كان الدليل السمعي أهم نظرا للمقام من الدليل العقلي قبل : يسمعون أو يعقلون وقيل : المعنى بل أتحسب أن أكثرهم يسمعون حق السماع ما تتلو عليهم من الآيات أو يعقلون ما تضاعيفها من المواعظ الزاجرة عن القبائح الداعية إلى المحاسن فتجتهد في دعوتهم وتهتم

الصفحة 24