كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

إشعارا بأن المعقول المفهوم من هذا الكلام لوضوح برهانه وهو دلالة حدوثه وتصرفه على الوجه النافع بأسباب ممكنة على أن ذلك فعل الصانع الحكيم كالمشاهد المرئي فكيف بالمحسوس منه وقال الفاضل الطيبي لو قيل ألم تر الى الظل كيف مده ربك كان الانتقال من الأثر الى المؤثر والذي عليه التلاوة كان عكسه والمقام يقتضيه لأن الكلام في تقريع القوم وتجهيلهم في اتخاذهم الهوى إلها مع وضوح هذ الدلائل ولذلك جعل ما يدل على ذاته تعالى مقدما على أفعاله في سائر آياته وهو الذي جعل لكم الليل وهو الذي أرسل الرياح ولو شئنا لبعثنا وروى السلمي في الحقائق عن بعضهم مخاطبة العام أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت ومخاطبة الخاص ألم تر الى ربك انتهى وفي الأرشاد لعل توجيه الرؤية اليه سبحانه مع أن المراد تقرير رؤيته عليه الصلاة و السلام لكيفية مد الظل للتنبيه على أن نظره عليه الصلاة و السلام غير مقصور على ما يطالعه من الآثار والصنائع بل مطمح أنظاره صلى الله عليه و سلم معرفة شؤن الصانع المجيد جل جلاله ولعل هذا هو سر ما روي عن السلمي وقيل : إن التعبير المذكور للاشعار بأن المقصود العلم بالرب علما يشبه الرؤية ونقل الطبرسي عن الزجاج أنه فسر الرؤية بالعلم وذكر أن الكلام من باب القلب والتقدير ألم تر إلى الظل كيف مده ربك ولا حاجة الى ذلك والتعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة الى ضميره عليه الصلاة و السلام لتشريفه صلى الله عليه و سلم وللايذان بأن ما يعقبه من آثار ربوبيته تعالى ورحمته جل وعلا وكيف منصوب بمد على الحالية وهي معلقة لتر إن لم تكن الجملة مستأنفة وفي البحر أن الجملة الاستفهامية التي يتعلق عنها فعل القلب ليس باقية على حقيقة الاستفهام وفيه بحث وذكر بعض الأفاضل أن كيف للاستفهام وقد تجرد عن الاستفهام وتكون بمعنى الحال نحو أنظر الى كيف تصنع وقد جوزه الدماميني في هذ الآية على أنه بدل اشتمال من المجرور وهو بعيد انتهى ولا يخفى أنه يستغنى على ذلك عن اعتبار المضاف لكنه لايعادل البعد والمراد بالظل على مارواه جماعة عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن وأيوب بن موسى وابراهيم التيمي والضحاك وأبي مالك الغفاري وأبي العالية وسعيد بن جبير ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وذلك أطيب الأوقات فان الظلمة الخالصة تنفر عنها الطباع تسد النظر وشعاع الشمس يسخن الجو ويبهر البصر ومن هنا كان ظل الجنة مدودا كما قال سبحانه وظل ممدود
وقيل : المراد به مايكون من مقابلة كثيف كجبل أو بناء أو شجر للشمس عند ابتداء طلوعها ومد الظل من باب ضيق فم القربة فالمعنى ألم تنظر الى صنع ربك كيف أنشا ظلا أي مظلا كان عند ابتداء طلوع الشمس ممتدا الى ماشاء الله عز و جل واختاره شيخ الاسلام وتعقب ما تقدم بقوله : غير سديد اذ لاريب في أن المراد تنبيه الناس على عظيم قدرة الله عز و جل وبالغ حكمته سبحانه فيما يشاهدونه فلابد أن يراد بالظل مايتعارفونه من حالة مخصوصة يشاهدونها في موضع يحول بينه وبين الشمس جسم مخالفة لما في جوانبه من مواقع ضح الشمس وما ذكر وان كان في الحقيقة ظلا للافق الشرقي لكنهم لايعدونه ظلا ولا يصفونه بأوصافه المعهودة اه وفيه منع ظاهر وهو أظهر على ماذكره أبو حيان في الاعتراض على ذلك من أنه لايسمى ظلا فقد قال الراغب وكفى به حجة في اللغة الظل ضد الضح وهو أعم من الفيء فانه يقال : ظل الليل وظل الجنة ويقال لكل موضع لم تصل اليه الشمس ظل ولا يقال الفيء إلا لما زال عنه الشمس انتهى وظاهر قوله تعالى وظل ممدود في وصف الجنة يقتضي أنهم يعدون مثل ما ذكر ظلا وقيل : هو ما كان من غروب

الصفحة 26