كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الشمس الى طلوعها وحكي ذلك عن الجبائي والبلخي وقيل : هو ما كان يوم خلق الله تعالى السماء وجعلها كالقبة ودحا الأرض من تحتها فالقت ظلها عليها وليس بشيء وإن فسر ألم تر بألم تعلم لما في تطبيق ما يأتي من تتمة الآية عليه من التكلف وارتكاب خلاف الظاهر وربما يفوت عليه المقصود الذي سيق له النظم الكريم وربما يختلج في بعض الاذهان جواز أن يراد به ما يشمل جميع ما يصدق عليه أنه ظل فيشمل ظل الليل وما بين الفجر وطلوع الشمس وظل الأشياء الكثيفة المقابلة للمشس كالجبال وغيرها فاذأ شرع في تطبيق الآية على ذلك عدل عنه كما لا يخفى وللصوفية في ذلك كلام طويل سنذكر إن شاء الله تعالى شيئا منه وجمهور المفسرين على الأول والقول الثاني أسلم من القال والقيل
وقوله تعالى ولو شاء لجعله ساكنا جملة اعتراضية بين المتعاطفين للتنبيه من أول الأمر على أنه لامدخل للاسباب العادية من قرب الشمس إلى الأفق الشرقي على الأول أو قيام الشاخص الكثيف على الثاني وإنما المؤثر فيه حقيقة المشيئة والقدرة ومفعول المشيئة محذوف وهو مضمون الجزاء كما هو القاعدة المستمرة في أمثال هذا التركيب أي ولو شاء جعله ساكنا لجعله ساكنا أي ثابتا على حاله ظلا أبدا كما فعل عز و جل في ظل الجنة أو لجعله ثابتا على حاله من الطول والامتداد وذلك بأن لايجعل سبحانه للشمس على سخه سبيلا بأن يطلعها ولا يدعها تنسخه أو بأن لايدعها تنسخه أو بأن لايدعها تغيره باختلاف اوضاعها بعد طلوعها وقيل : بأن يجعلها بعد الطلوع مقيمة على وضع واحد وليس بذاك وإنما عبر عن ذلك بالسكون قيل : لما أن مقابلة الذي هو زواله لما كان تدريجيا كان أشبه شيء بالحركة وقيل : لما أن مقابلة الذي هو تغير حاله حسب تغير الأوضاع بين الظل وبين الشمس يرى رأي العين حركة وانتقالا
وأفاد الزمخشري أنه قوبل مد الظل الذي هو انبساطه وامتداده بقوله تعالى ساكنا والسكون إنما يقابل الحركة فيكون قد أطلق مد الظل على الحركة مجازا من باب تسمية الشيء باسم ملابسة أو سببه كما قرره الطيبي وذكر أنه عدل عن حرك إلى مد مع أنه اظهر من مد في تناوله الانبساط والامتداد دون الانبلاج وتمم معنى الادماج بقوله تعالى ثم قبضناه الينا قبضا يسيرا أي بالتدرج والمهل لمعرفة الساعات والأوقات وفيه لمحة من معنى قوله تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس اه ولا يبعد أن يقال : إن التعبير بمد لما أن الظل المذكور ظل الافق الشرقي وقد اعتبر المشرق والمغرب طرفي جهتي الأرض طولا والشمال والجنوب طرفي جهتيها عرضا أو لأن طهوره في الأرض وطول المعمور منها الذي يسكنه من يشاهد الظل أكثر من عرض المعمور منها إذ الأول كما هو المشهور نصف دور أعني مائة وثمانين درجة والثاني دون ذلك على جميع الاقوال فيه فيكون الظل بالنظر إلى الرائين في المعمور من الأرض ممتدا ما بين جهتي شرقيةوغربية أكثر مما بين جهتي شمالية وجنوبية وربما يقال : إن ذلك لما أن مبدأ الظل الفجر الأول وضوؤه يرى مستطيلا ممتدا كذنب السرحان ويلتزم القول بأنه لايذهب بالكلية وإن ضعف بل يبقى حتى يمده ضوء الفجر الثاني فيرى منبسطا والله تعالى أعلم وقوله سبحانه ثم جعلنا الشمس عليه دليلا
54
- عطف على مد داخل في حكمه أي ثم جعلنا طلوع الشمس دليلا على ظهوره للحس فان الناظر إلى الجسم الملون حال قيام

الصفحة 27