كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)
علينا معنى كل واحد منا ولم يعتبر توزيع ويشير أيضا إلى قوة ذلك تعبيرهم بالمضارع الدال على الاستمرار التجددي في أو نرى ربنا كأنهم لم يكتفوا برؤيته تعالى واخباره سبحانه بصدق رسوله صلى الله عليه و سلم حتى يروه سبحانه ويخبرهم مرارا بذلك ولا يأبى قصد الاستمرار من المضارع كون الأصل في لولا التي للتحضيض أو العرض أن تدخل على المضارع وما لم يكن مضارعا يؤول به ولعل عدولهم إلى الماضي في جانبإنزال الملائكة المعطوف عليه وإن كان في تأويل المضارع على نحو ما قدمنا في تفسير قوله تعالى لولا أنزل اليه ملك فتذكر فما في العهد من قدم
وقيل : المعنى لولا أنزل علينا الملائكةفيبلغون أمر الله تعالى ونهيه بدل محمد صلى الله عليه و سلم أو نرى ربنا فيخبرنا بذلك من غير توسيط أحد ورجح الأول بأن السياق لتكذيبه صلى الله عليه و سلم وحاشاه ثم حاشاه من الكذب والتعنت في طلب مصدق له عليه الصلاة و السلام لا لطلب من يفيدهم الأمر والنهي سواه صلى الله عليه و سلم ولا نسلم أن لولا أنزل علينا الملائكة يتكرر عليه مع لولا أنزل عليه ملك السابق لظهور الفرق بين المطلوبين فيهما ولو فرض لزوم التكرار بينهما فهو لايضر كما لايخفى وانتصر للاخير بأن المقام ليس الا لذكر المكذبين وحكاية أباطيلهم الناشئة عن تكذيبهم وقد عد فيما سبق بعضا منها متضمنا تعنتهم في طلب مصدق له صلى الله عليه و سلم فالأولى أن يكون ما هنا حكاية نوع آخر منها ليكون أبعد عن التكرار وأدل على العناد والاستكبار ولعل قوله تعالى لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا
12
- أنسب بما ذكر ومعنى استكبروا في أنفسهم أوقعوا الاستكبار في شأنها وعدوها كبيرة الشأن وفيه تنزيل الفعل المتعدي منزلة اللازم كما في قوله :
يجرح في عراقيبها نصلي
والعتو تجاوز الحد في الظلم وهو المصدر الشائع لعتا واللام واقعة في جواب القسم أي والله لقد استكبروا في شأن أنفسهم وتجاوزوا الحد في الظلم والطغيان تجاوزا كبيرا بالغا أقصى غايته حيث كذبوا الرسول عليه الصلاة و السلام ولم ينقادوا لبشر مثلهم يوحى اليه في أمرهم ونهيهم ولم يكترثوا بمعجزاته القاهرة وءاياته الباهرة فطلبوا ما لايكاد ترنوا اليه أحداق الأمم وراموا ما لايحظى به إلا بعض أولي العزم من الرسل صلى الله تعالى عليهم وسلم وقد فسر استكبروا في أنفسهم باضمروا الاستكبار وهو الكفر والعناد في قلوبهم وهو أظهر مما تقدم وما تقدم أبلغ وأوفق لما انتصر له وكذا فسر العتو بالنبو عن الطاعة وما تقدم أبلغ وأوفق بذلك أيضا وفي تعقب حكاية باطل أولئك الكفرة بالجملة القسمية ايذان بغاية قبح ما هم عليه واشعار بالتعجب من استكبارهم وعتوهم وهو من الفحوى في الحقيقة ومثل ذلك شائع في الكلام تقول لمن جنى جناية : فعلت كذا وكذا استعظاما وتعجبا منه ويستعمل في سائر الألسنة وجعل الزمخشري من ذلك قول مهلهل : وجارة جساس أبأنا بنابها كليبا غلت ناب كليب بواؤها والطيبي قوله تعالى كبرت كلمة وتعقب بأن ذلك ليس من هذا القبيل لأن الثلاثي المحول إلى فعل لفظا أو تقديرا موضوع للتعجب كما صرح به النحاة وذكر الامام مختار القول في تفسير لولا أنزل الخ أن هذه الجملة جواب لقولهم لولا أنزل الخ من عدة أوجه أحدها أن القرآن لما ظهر كونه معجزا فقد ثبتت نبوته
الصفحة 3
220