كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)
0 بشرا تخفيف بشرا بضمتين جمع بشور بمعنى مبشر أي أرسل الرياح مبشرات وقريء نشرا بالنون والتخفيف جمع نشور كرسول ورسل و نشرا بضم النون والشين وهو جمع لذلك أيضا أي أرسلها ناشرات للسحاب من النشر بمعنى البعث لأنها تجمعه كأنها تحييه لامن النشر بمعنى التفريق لأنه غير مناسب إلا أن يراد به السوق مجازا و نشرا بفتح النون وسكون الشين على أنه مصدر وصف به مبالغة أن يكون مفعولا مطلقا لأرسل لأنه بمعنى نشر والكل متواتر
وروي عن ابن السميقع أنه قرأ بشرى بألف التأنيث بين يدي رحمته أي قدام المطر وقد استعيرت الرحمة له ورشحت الاستعارة أحسن ترشيح وجوز أن يكون في الكلام استعارة تمثيلية و بشرا من تتمة الاستعارة داخل في جملتها والالتفات الى نون العظمة في قوله تعالى : وأنزلنا من السماء لابراز كمال العناية بالانزال لأنه نتيجة ما ذكر من ارسال الرياح أي أنزلناه بعظمتنا بما رتبنا من ارسال الرياح من جهة العلو التي ليست مظنة الماء أو من السحاب أو من الجرم المعلوم وقد تقدم تفصيل الكلام في ذلك ماء طهورا
84
- الظاهر أنه نعت لماء وعليه قيل معناه بليغ الطهارة زائدها ووجه في البحر المبالغة بأنها راجعة إلى الكيفية باعتبار أنه لم يشبه شيء آخر مما في مقره أو ممره أو ما يطرح فيه كمياه الارض وفسره ثعلب بما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره وتعقبه الزمخشري بأنه إن كان ما قاله شرحا لبلاغته في الطهارة كان سديدا وإلا فليس فعول من التفعيل في شيء وقال غيره : إن أخذ التطهير فيه يأباه لزوم الطهارة والمبالغة في اللازم لاتوجب التعدي
وأجاب صاحب الكشف بأنه لما لم تكن الطهارة في نفسها قابلة للزيادة رجعت المبالغة فيها إلى انضمام معنى التطهير اليها لا أن اللازم صار متعديا وتعقبه المولى الدواني بأن فيه تأملا من حيث أن انضمام معنى التطهير لما كان مستفادا من المبالغة بمعنونة عدم قبول الزيادة كانت المبالغة في الجملة سببا للتعدي ثم قال : ويمكن التفصي بأن المعنى اللازم باق بحاله والمبالغة أوجبت انضمام المتعدي اليه لاتعدية ذلك اللازم وبينهما فرقان وذكر بعض الأجلة أن افادة المبالغة تعلق الفعل بالغير مما لا يساعده لغة ولا عرف وأين هذا التعلق في قول جرير : إلى رجح الأكفال غيد من الظبا عذاب الثنايا ريقهن طهور ومثله قوله تعالى : وسقاهم ربهم شرابا طهورا ومن هذا وأمثاله اختار بعضهم كون المبالغة راجعة إلى الكيفية على ما سمعت عن البحر وقال بعض المحققين : إن طهورا هنا اسم لما يتطهر به كما في قوله صلى الله عليه و سلم : التراب طهور المؤمن وفعول كما قال الأزهري في كتاب الزاهر يكون اسم آلة لما يفعل به الشيء كغسول ووضوء وفطور وسحور إلى غير ذلك كما يكون صفة بمعنى فاعل كاكول أو مفعول كصبوب بمعنى مصبوب واسم جنس كذنوب ومصدرا وهو نادر كقبول فيفيد التطهير للغير وضعا ويمكن حمل ماروي عن ثعلب على هذا واعتبار كونه طاهرا في نفسه لأن كونه مطهرا للغير فرع ذلك وجعل على هذا بدلا من ماء أو عطف بيان له لا نعتا فيكون التركيب نحو أرسلت اليك ماء وضوءا
وأنت تعلم أن المتبادر فيما نحن فيه كونه نعتا فان أمكن ذلك على هدا الوجه بنوع تأويل كان أبعد عن