كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

القيل والقال وحكى سيبويه أن طهورا جاء مصدر التطهر في قولهم : تطهرت طهورا حسنا وذكر أن منه قوله عليه الصلاة و السلام : لاصلاة إلا بطهور وحمل ما في الآية على ذلك مما لاينبغي وأياما كان ففي توصيف الماء به اعظام المنة كما لا يخفى لنحيي به أي بما أنزلنا من الماء الطهور بلدة ميتا ليس فيها نبات وذلك بانبات النبات به والمراد بالبلدة الأرض كما في قوله : أنيخت فالقت بلدة فوق بلدة قليل بها الأصوات إلا بغامها وجوز أن يراد بها معناها المعروف وتنكيرها للتنويع وتذكير صفتها لأنها بمعنى البلد أو لأن ميتا من أمثلة المبالغة التي لاتشبه المضارع في الحركات والسكنات وهو يدل على الثبوت فاجري مجرى الجوامد ولام لنحيي متعلق بانزلنا وتعلقه بطهورا ليس بشيء وقرأ عيسى وأبو جعفر ميتا بالتشديد قال أبو حيان : بما أشبهه بخلاف المشدد فانه يماثل فاعلا من حيث قبوله للتاء إلا فيما خص المؤمنث نحو طامث
ونسقيه أي ذلك الماء الطهور وعند جريانه في الأودية أو اجتماعه في الحياض والمناقع والآبار مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا
94
- أو أهل البوادي الذين يعيشون بالحياء ولذلك نكر الأنعام والأناسي فالتنكير للتنويع
وتخصيص هذا النوع بالذكر لأن أهل القرى والامصار يقيمون بقرب الأنهار والمنابع فبهم وبما لهم من الانعام غنية عن سقي السماء وسائر الحيوانات تبعد في طلب الماء فلايعوزها الشرب غالبا ومساق الآيات الكريمة كما هو للدلالة على عظم القدرة كذلك هو لتعداد أنواع النعمة فالانعام حيث كانت قنية للانسان وعامة منافعهم ومعايشهم منوطة بها قدم سقيها على سقيهم كما قدم عليها أحياء الأرض فانه سبب لحياتها وتعيشها فالتقديم من قبيل تقديم الاسباب على المسببات وجوز أن يكون تقديم ما ذكر على سقي الاناسي لأنهم إذا ظفروا بما يكون سقي ارضهم ومواشيهم لم يعدموا سقياهم وحاصله أنه من باب تقديم ما هو الأهم والاصل في باب الامتنان وذكر سقي الاناسي على هذا إرداف وتتميم للاستيعاب ومن تبعيضية أو بيانية و كثير صفة للمتعاطفين لا على البدل
وقرأ عبد الله وأبو حيوة وابن أبي عبلة والأعمش وعاصم وابو عمرو في رواية عنهما ونسقيه بفتح النون ورويت عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأسقي وسقى لغتان وقيل : أسقاه بمعنى جعل السقيا له وهياها و أناسي جمع انسان عند سيبويه وأصله أناسين فقلبت نونه ياء وأدغمت فيما قبلها
وذهب الفراء والمبرد والزجاج إلى أنه جمع أنسى قال في البحر : والقياس أناسيه كما قالوا في مهلبي مهالبة وفي الدر المصون أن فعالى إنما يكون جمعا لما فيه ياء مشددة إذا لم يكن للنسب ككرسي وكراسي وما فيه ياء النسب يجمع على أفاعلة كأزرقي وأزارقة وكون ياء انسي ليست للنسب بعيد فحقه أن يجمع على أناسية وقال في التسهيل : أنه أكثري وعليه لايرد ماذكر ولقد صرفناه الضمير للماء المنزل من السماء كالضميرين السابقين وتصريفه تحويل أحوله وأوقاتنه وإنزاله على أنحاء مختلفة أي وبالله تعالى لقد صرفنا المطر بينهم أي بين الناس

الصفحة 31