كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)
في البلدان المختلفة والاوقات المتغايرة والصفات المتفاوتة من وابل وطل وغيرها ليذكروا أي ليعتبروا بذلك فابى أكثر الناس إلا كفورا
5
- أي لم يفعل إلا كفران النعمة وإنكارها رأسا باضافتها لغيره عز و جل بأن يقول : مطرنا بنوء كذا معتقدا أن النجوم فاعلة لذلك ومؤثرة بذواتها فيه وهذا الاعتقاد والعياذ بالله تعالى كفر وفي الكشاف وغيره أن من أعتقد أن الله عز و جل خالق الامطار وقد نصب الأنواء دلائل وامارات عليها وأراد بقوله مطرنا بنوء كذا مطرنا في وقت سقوط النجم الفلاني في المغرب مع الفجر لايكفر وظاهره أنه لايأثم أيضا وقال الأمام : من جعل الافلاك والكواكب مستقلة باقتضاء هذه الأشياء فلاشك في كفره وأما من قال : إنه سبحانه جبلها على خواص وصفات تقتضي هذه الحوادث فلعله لايبلغ خطؤه إلى حد الكفر
وسيأتي إنشاء الله تعالى منا في هذه المسئلة كلام أرجو من الله تعالى أن تستحسنه ذوو الأفهام ويتقوى به كلام الامام ورجوع ضمير أنزلناه إلى الماء المنزل مروي عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعكرمة
وأخرج جماعة عن الأول وصححه الحاكم أنه قال : ما من عام بأقل مطرا من عام ولكن الله تعالى يصرفه حيث يشاء ثم قرأ هذه الآية واخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن الثاني مثله ويفهم من ذلك حمل التصريف على التقسيم وقال بعضهم : هو راجع إلى القول المفهوم من السياق وهو ماذكر فيه إنشاء السحاب وإنزال القطر لما ذكر من الغايات الجليلة وتصريفه تكريره وذكره على وجوه ولغات مختلفة والمعنى ولقد كررنا هذا القول وذكرناه على أنحاء مختلفة في القرآن وغيره من الكتب السماوية بين الناس من المتقدمين والمتأخرين ليتفكروا ويعرفوا بذلك كمال قدرته تعالى وواسع رحمته عز و جل في ذلك فأبى أكثرهم ممن سلف وخلف إلا كفران النعمة وقلة الاكتراث بها أو إنكارها رأسا باضافتها لغيره تعالى شأنه واختار هذا القول الزمخشري وقال أبو السعود : هو الأظهر وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني أنه عائد على القرآن ألا ترى قوله تعالى بند : وجاهدهم به وحكاه في البحر عن ابن عباس أيضا والمشهور عنه ما تقدم ولعل ما ذكر فيه من الأدلة على كما قدرته تعالى وواسع رحمته عز و جل أو نحو ذلك فتأمل وأما ما قيل إنه عائد على الريح فليس بشيء
ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا
15
- نبيا ينذر أهلها فتخف عليك اعباء النبوة لكن لم نشأ ذلك وقصرنا الأمر عليك اجلالا وتعظيما فلا تطع الكافرين فيما يريدونك عليه وهو تهييج له صلى الله عليه و سلم وللمؤمنين
وجاهدهم به أي بالقرآن كما أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وذلك بتلاوة ما فيه من البراهين والقوارع والزواجر والمواعظ وتذكير أحوال الأمم المكذبة جهادا كبيرا
25
- فان دعوة كل العالمين على الوجه المذكور جهادا كبيرا لايقادر قدره كما وكيفا وترتيب ما ذكر على ما قبله حسبما تقتضيه الفاء باعتبار أن قصر الرسالة عليه عليه الصلاة و السلام نعمة جليلة ينبغي شكرها وما ذكر نوع من الشكر فكأنه قيل : بعثناك نذيرا لجميع القرى وفضلناك وعظمناك ولم نبعث في كل قرية نذيرا فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد في الدعوة واظهار الحق وفي الكشف لبيان النظم الكريم أنه لما ذكر ما يدل على حرصه صلى الله عليه و سلم على طلب هداهم وتمارضهم في ذلك في قوله سبحانه : أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت