كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

غير تقدير قول على معنى مرج البحرين مختلفين عذوبة شديدة وملوحة كذلك واسم الاشارة يغني غناء الضمير والأجاج شديد الملوحة كما أشرنا اليه أطلق عليه لأن شربه يزيد أجيج العطش وقال الراغب : هو شديد الملوحة والحرارة من أجيج النار انتهى وقيل : هو المر وحكاه الطبرسي عن قتادة : وقيل : الحار فهو يقابل الفرات عند من فسره بالبارد
وقرأ طلحة بن مصرف وقتيبة عن الكسائي ملح بفتح الميم وكسر اللام هنا وكذا في فاطر قال أبو حاتم : وهذا منكر في القراءة وقال أبو الفتح : أراد مالحا فخفف بحذف الالف كما قيل برد في بارد في قوله : أصبح قلبي صردا
لايشتهي أن يراد
إلا عرادا عردا
وصليانا بردا
وعكنا ملتبدا وقيل مخفف مليح لأنه ورد بمعنى مالح وقال أبو الفضل الرازي في كتاب اللوامح : هي لغة شاذة قليلة فليس مخففا من شيء نعم هو كملح في قراءة الجمهور ببمعنى مالح والافصح أن يقال في وصف الماء : ماء ملح دون ماء مالح وإن كان صحيحا كما نقل الأزهري ذلك عن الكسائي وقد اعترف أيضا بصحته ثعلب وقال الخفاجي : الصحيح أنه مسموع من العرب كما أثبته أهل اللغة وأنشدوا لاثباته شواهد كثيرة وعليه فمن خطأ الامام أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه بقوله : ماء مالح فقد أخطأ جاهلا بقدر هذا الامام وجعل بينهما برزخا أي حاجزا وهو لفظ عربي وقيل : أصله برزه فعرب والمراد بهذا الحاجز كما أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن ما يحول بينهما من الأرض كالأرض الحائلة بين دجلة ويقال لها بحر لعظمها ولشيوع إطلاق البحر على النهر العظيم صار حقيقة فيه فلا اشكال في التثنية وإن أبيت صيرورته حقيقة فاعتبار التغليب يرفع الاشكال وبين البحر الكبير والمراد حيلولتها في مجاريها وإلا فهي تنتهي إلى البحر وكذا سائر الانهار العظام ودلالة هذا الجعل على كمال قدرته عز و جل كونه على خلاف مقتضى الطبيعة فان مقتضى طبيعة الماء أن يكون متضام الأجزاء مجتمعا غامرا للارض محيطا بها من جميع جهاتها إحاطة الهواء به ومقتضى طبيعة الأرض أن تكون متضامة الاجزاء أيضا لاغور فيها ولا نجد مغمورة بالماء واقعة في جوفه كمركز الدائرة كما قرر ذلك الفلاسفة وذكروا في سبب انكشاف ما أنكشف من الأرض ووقوع الاغوار والانجاد فيها ما لا يخلوا عن قيل وقال و بينهما ظرف لجعل ويجوز أن يكون حالا من برزخا والظاهر أن تنوين برزخا للتعظيم أي وجعل بينهما برزخا عظيما حيث إنه على كثرة مرور الدهور لايتخلله ماء أحد البحرين حتى يصل إلى اةخر فيغير طعمه وحجرا محجورا
35
- أي وتنافرا مفرطا كأن كلا منهما يتعوذ من الآخر بتلك المقالة والمراد لزوم كل منهما لصفته من العذوبة والملوحة فلا ينقلب البحر العذب ملحا في مكانه ولا البحر الملح عذبا في مكانه وذلك من كمال قدرته تعالى وبالغ حكمته عز و جل فان العذوبة والملوحة ليستا بسبب طبيعة الأرض ولا بسبب طبيعة الماء وإلا لكان الكل عذبا أو الكل ملحا وذكر في حكمة جعل البحر الكبير ملحا أن لاينتن بطول المكث وتقادم الدهور قيل : وهو السر في جعل دمع العين ملحا وفيه حكم أخرى الله تعالى أعلم بها
والظأهر إن حجرا عطف على برزخا أي وجعل بينهما هذ الكلمة والمرا بذلك ما سمعت آنفا وهو من أبلغ الكلام وأعذبه وقيل : هو منصوب بقول مقدر أي ويقولان حجرا محجور وعن الحسن أن

الصفحة 34