كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)
المرادالمراد من الحجر ما حجر بينهما من الأرض وتقدم تفسيره البرزخ بنحو ذلك وكان الجمع بينهما حينئذ لزيادة المبالغة في أمر الحاجز وما قدمنا أولى وأبعد مغزى وقيل : المراد بالبرزخ حاجز من قدرته عز و جل غير مرئي وبقوله سبحانه حجرا محجورا التميز التام وعدم الاختلاط وأصله كلام بقوله المستعيذ لما يخافه كما تقدم تفصيله وحاصل معنى الآية أنه تعالى هو الذي جعل البحرين مختلطين في مرأى العين ومنفصلين في التحقيق بقدرته عز و جل أكمل انفصال بحيث لايختلط العذب بالملح ولا الملح بالعذب ولا يتغير طعم كل منهما بالآخر أصلا
وحكي هذا عن الأكثرين وفيه أنه خلاف المحسوس فان الأنهار العظيمة كدجلة وما ينظم اليها والنيل وغيرهما مما يشاهده الناس إذا اتصلت في البحر تغير طعم غير قليل منها في جهة المتصل وكذا يتغير طعم غير قليل من البحر في جهة المتصل أيضا ويختلف التغير قلة وكثرة باختلاف الورود لاختلاف أسبابه من الهواء وغيره قوة وضعفا كما أخبر به مبلغ التواتر ولم يخبر أحد أنه شاهد في الأرض بحرين أحدهما عذب والآخر ملح وقد اتصل أحدهما بالآخر من غير تغير لطعم شيء منهما أصلا ولا مساغ عند من له أدنى ذوق لجعل اةية في بحرين في الارض كذلك لكنهما لم يشاهدهما أحد كما لا يخفى ولا أرى وجها لتفسير الآية بما ذكر والتزام هذا ونحوه من التكلفات الباردة مع ظهور الوجه الذي لاكدورة فيه عند المنعطف إلا تسبب طعن الكفرة في القرآن العظيم وسوء الظن بالمسلمين وقيل : المراد بالبرزخ الواسطة أي وجعل بين البحر العذب الشديد العذوبة والبحر الملح الشديد الملوحة ماء متوسطا ليس بالشديد العذوبة ولا بالشديد الملوحة وهو قطعة من العذب الفرات عند موضع التلاقي مازجها شيء من الملح الأجاج فكسر سورة عذوبتها وقطعة من الملح الأجاج عند موضع التلاقي أيضا مازجها شيء من العذب الفرات فكسر سورة ملوحتها ويكون التنافر البليغ بينهما المفهوم من قوله سبحانه وحجرا محجورا فيما عدا ذلك وهو مالم يتأثر بصاحبه منهما بل يبقى على صفته من العذوبة الشديدة والملوحة الشديدة وهو كما ترى وحكي في البحر أن المراد بالبحرين بحران معينان هما بحر الروم وبحر فارس
وذكره في الدر المنثور عن الحسن برواية ابن أبي حاتم وهو من العجب العجاب لأن كلا هذين البحرين ملح أجاج فكيف يصح ارادتهما هنا مع قوله تعالى هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج نعم قد يصح فيما سياتي ان شاء الله تعالى من آية سورة الرحمن أعني قوله سبحانه مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان لعدم ذكر ما يمنعه هناك وما روي عن الحسن إن صح فلعله في تلك الآية ووهم السيوطي في روايته في الكلام على هذ الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن البحرين هما بحر السماء وبحر الأرض وذكر مثله في البحر عن ابن عباس وانهما يلتقيان كل عام وهذا شيء أنا لا أقول به في الآية ولا أعتقد صحة روايته عمن سمعت وإن كان منابة الآية عليه لما تقدم من قوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا على القول بأن المطر من بحر في السماء أتم ودلالتها على كمال قدرته تعالى أظهر وأما أنت فبالخيار والله تعالى ولي التوفيق
وهو الذي خلق من الماء بشرا هو الماء الذي خمر به طينة ءادم عليه السلام وجعله جزءا من مادة البشر لتجتمع وتسلس وتستعد لقبول الأشكار والهيئات فالمراد بالماء الماء المعروف وتعريفه للجنس والمراد بالبشر آدم عليه السلام وتنوينه للتعظيم أو جنس البشر الصادق عليه عليه السلام وعلى ذريته ومن