كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)
ابتدائية ويجوز أن يراد بالماء النطفة وحينئذ يتعين حمل البشر على أولاد ءادم عليه السلام
فجعله نسبا وصهرا أي قسمه قسمين ذوي نسب أي ذكورا ينسب اليهم وذوات صهر أي اناثا يصاهر بهن فهو كقوله تعالى فجعل منه الزوجين الذكر والانثى فالواو للتقسيم والكلام على تقدير مضاف حذف ليدل على المبالغة ظاهرا وعدل عن ذكر وأنثى ليؤذن بالانشعاب نصا وهذا الجعل والتقسيم مما لاخفاء فيه على تقدير أن يراد بالبشر الجنس وأما على تقدير أن يراد به ءادم عليه السلام فقيل : هو باعتبار الجنس وفي الكلام ما هو من قبيل الاستخدام نظير ما في قولك : عندي درهم ونصفه وقيل : لاحاجة إلى اعتبار ذلك والكلام من باب الحذف والايصال أي جعل منه وقد جيء به على الاصل في نظير هذه الآية وهو ماسمعته ءانفا وقيل : معنى جعل ءادم نسبا وصهرا خلق حواء منه وابقاؤه على ماكان عليه من الذكورة
وتعقيب جعل الجنس قسمين خلق ءادم أو الجنس باعتبار خلقه أو جعل قسمين من آدم خلقه عليه السلام كما تؤذن به الفاء ظاهر وربما يتوهم أن الضمير المنصوب في جعله عائد على الماء والفاء مثلها في قوله تعالى : ونادى نوح ربه فقال رب الخ وقوله تعالى وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم نائمون وليس بشيء
وعن علي كرم الله تعالى وجهه أن النسب ما لايحل نكاحه والصهر ما يحل نكاحه وفي رواية أخرى عنه رضي الله تعالى عنه النسب ما لايحل نكاحه والصهر قرابة الرضاع وتفسير الصهر بذلك مروي عن الضحاك أيضا
وكان ربك قديرا
45
- مبالغا في القدرة حيث قدر على أن يخلق من مادة وادحة بشرا ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة وجعله قسمين متقابلين وكان في مثل هذا الموضع للاستمرار وإذا قلنا بأن الجملة الاسمية نفسها تفيد ذلك أيضا أفاد الكلام استمرارا على استمرار وربما أشعر ذلك بأن القدرة البالغة من مقتضيات ذاته جل وعلا ومن العجب ما زعمه بعض من يدعي التفرد بالتحقيق ممن صحبناه من علماء العصر رحمة الله تعالى عليه ان كان في مثله للاستمرار فيما لم يزل والجملة الاسمية للاستمرار فيما لايزال فيفيد جمعهما استمرار ثبوت الخبر للمبتدأ أزلا وأبدا ويعلم منه مبلغ الرجل في العلم ويعبدون من دون الله الذي شأنه تعالى شأنه ما ذكر مالا ينفعهم ان عبدوه ولا يضرهم إن لم يعبدوه والمراد بذلك الأصنام أو كل ما عبد من دون الله عز و جل وما من مخلوق يستقل بالنفع والضر وكان الكافر على ربه الذي ذكرت ءاثار ربوبيته جل وعلا ظهيرا
55
- أي مظاهرا كما قال الحسن ومجاهد وابن زيد وفعيل بمعنى مفاعل كثير ومنه نديم وجليس والمظاهرة المعاونة أي يعاون الشيطان على ربه سبحانه بالعداوة والشرك والمراد بالكافر الجنس فهو اظهار في مقام الاضمار لنعي كفرهم عليهم وقيل : هو أبو جهل واةية نزلت فيه وقال عكرمة : هو ابليس عليه اللعنة والمراد يعاون المشركين على ربه عز و جل بأن يغريهم على معصيته والشرك به عز و جل وقيل : المراد يعاون على أولياء الله تعالى
وجوز أن يكون هذا مراد على سائر الاحتمالات في الكافر وقيل : المراد بظهيرا مهينا من قولهم : ظهرت به اذا نبذته خلف ظهرك أي كان من يعبد من دون الله تعالى ما لاينفعه ولا يضره مهينا على ربه