كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

عز و جل لاخلاق له عنده سبحانه قاله الطبري ففعيل بمعنى مفعول والمعروف أن ظهيرا بمعنى معين لابمعنى مظهور به وما أرسلناك في حال من الأحوال الا حال كونك مبشرا للمؤمنين ونذيرا
65
- أي ومنذرا مبالغا في الانذار للكافرين ولتخصيص الانذأر بهم وكون الكلام فيهم والاشعار بغاية اصرارهم على ما هم فيه من الضلال اقتصر على صيغة المبالغة فيه وقيل : المبالغة باعتبار كثرة المنذرين فان الكفرة في كل وقت أكثر من المؤمنين
وبعضهم اعتبر كثرتهم بادخال العصاة من المؤمنين فيهم أي ونذيرا للعاصين مؤمنين كانوا أو كافرين والمقام يقتضي التخصيص بالكافرين كما لايخفى والمراد ما أرسلناك إلا مبشرا للمؤمنين ونذير للكافرين فلا تحزن على عدم ايمانهم قل لهم دافعا عن نفسك تهمة الانتفاع بايمانهم ما أسئلكم عليه أي على تبليغ الرسالة التي ينبيء عنه الارسال أو على المذكور من التبشير والانذار وقيل : على القرآن من أجر أي أجر ما من جهتكم إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه أي إلى رحمته ورضوانه سبيلا
75
- أي طريقا والاستثناء عند الجمهور منقطع أي لكن ما شاء أن يتخذ إلى ربه سبحانه سبيلا أي بالانفاق القائم مقام الأجر كالصدقة والنفقة في سبيل الله تعالى ليناسب الاستدراك فليفعل وذهب البعض إلى أنه متصل وفي الكلام مضاف مقدر أي الا فعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بالايمان والطاعة حسبما ادعو اليهما وهو مبني على الادعاء وتصوير ذلك بصورة الأجر من حيث أنه مقصود الاتيان به وهذا كالاستثناء في قوله : ولا عيب فيهم غير أن نزيلهم يعاب بنسيان الأحبة والوطن وفي ذلك قلع كلي لشائبة الطمع وإظهار لغاية الشفقة عليهم حيث جعل ذلك مع كون منفعة عائدا اليهم عائد اليه صلى الله عليه و سلم وقيل : المعنى ما أسألكم عليه أجرا إلا أجر من آمن أي إلا الأجر الحاصل لي من إيمانه فان الدال على الخير كفاعله وحينئذ لايحتاج إلى الادعاء والتصوير السابق والأولى ما فيه قلع شائبة الطمع بالكلية
وتوكل على الحي الذي لايموت في الاغناء عن أجورهم والاستكفاء عن شرورهم وكأن العدول عن وتوكل على الله إلى مافي النظم الجليل ليفيد بفحواه أو بترتب الحكم فيه على وصف مناسب عدم صحة التوكل على غير المتصف بما ذكر من الحياة والبقاء أما عدم صحة التوكل على من لم يتصف بالحياة كالاصنام فظاهر وأما عدم صحته على من لم يتصف بالبقاء بأن كان ممن يموت فلأنه عاجز ضعيف فالمتوكل عليه أشبه شيء بضعيف عاد بقرملة وقيل : لأن إذا مات ضاع من توكل عليه
وأخرج ابن أبي الدنيا في التوكل والبيهقي في شعب الايمان عن عقبة بن أبي ثبيت قال : مكتوب في التوراة لاتوكل على ابن آدم فان ابن آدم ليس له قوام ولكن توكل على الحي الذي لايموت وقرأ بعض السلف هذ الآية فقال : لايصح لذي عقل أن يثق بعدها بمخلوق وسبح بحمده أي ونزهه سبحانه ملتبسا بالثناء عليه تعالى بصفات الكمال طالبا لمزيد الانعام بالشكر على سوابقه عز و جل فالباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال وقدم التنزيه لأنه تخليةوهي أهم من التحلية وفي الحديث من قال سبحان الله وبحمده غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وكفى به بذنوب عباده ما ظظهر منها وما بطن كما يؤذن به الجمع

الصفحة 37