كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)
كذلك كما لايخفى وكون التقدير ان شككت فيه فاسأل خبيرا على ان الخطاب له صلى الله عليه و سلم والمراد غيره عليه الصلاة و السلام بمعزل عن السداد وقيل : به صلة خبيرا قدم لرؤس الآي
وجوز أن يكون الكلام من باب التجريد نحو رأيت به أسدا أي رأيت برؤيته أسدا فكأنه قيل هنا فاسأل بسؤاله خبيرا والمعنى إن سالته وجدته خبيرا والباء عليه ليست صلة فانها باء التجريد وهي على ما ذهب اليه الزمخشري سببية والخبير عليه هو الله تعالى أيضا وقد ذكر هذا الوجه السجاوندي واختاره صاحب الكشف قال : وهو أوجه ليكون كالتتميم لقوله تعالى : الذي خلق الخ فانه لاثبات القدرة مدمجا فيه العلم وكون ضمير به راجعا إلى ماذكر من الخلق والاستواء والخبير في الآية هو الله تعالى مروي عن الكلبي وروي تفسير الخبير به تعالى عن ابن جريج أيضا
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخبير هو جبريل عليه السلام وقيل : هو من وجد ذلك في الكتب القديمة المنزلة من عنده تعالى أي فسأل بما ذكر من الخلق والاستواء من علم به من أهل الكتب ليصدقك وقيل : إذا أريد بالخبير من ذكر فضمير به للرحمن والمعنى إن أنكروا اطلاق الرحمن عليه تعالى فاسأل به من يخبرك من أهل الكتاب ليعرفوا مجيء ما يرادفه في كتبهم وفيه أنه لايناسب ما قبله ولأن فيه عود الضمير للفظ الرحمن دون معناه وهو خلاف الظاهر ولأنه كان الظاهر حينئذ أن يؤخر عن قوله تعالى : ما الرحمن
وقيل : الخبير محمد صلى الله عليه و سلم وضمير به للرحمن والمراد فاسال بصفاته والخطاب لغيره صلى الله عليه و سلم ممن لم يعلم ذلك وليس بشيء كما لايخفى وقيل ضمير به للرحمن والمراد فاسأل برحمته وتفاصيلها عارفا يخبرك بها أو المراد فاسأل برحمته حال كونه عالما بكل شيء على أن خبيرا حال من الهاء لامفعول اسأل كما في الأوجه السابقة
وجوز أبو البقاء أن يكون خبيرا حالا من الرحمن إذا رفع باستوى وقال : يضعف أن يكون حالا من فاعل اسأل لأن الخبير لايسأل إلا على جهة التوكيد مثل وهو الحق مصدقا والوجه الأقرب الأولى في الآية من بين الأوجه المذكورة لايخفى وقريء فسل
وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن القائل رسول الله صلى الله عليه و سلم أو الله عز و جل على لسان رسوله عليه الصلاة و السلام ولا يخفى موقع هذا الاسم الشريف هنا وفيه كما قال الخفاجي : معنى أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد قالوا على سبيل التجاهل والوقاحة وما الرحمن كما قال فرعون وما رب العالمين حين قال له موسى عليه السلام إني رسول رب العالمين وهو عالم بع عز و جل كما يؤذن بذلك قول موسى عليه السلام له : لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر والسؤال يحتمل أن يكون عن المسمى ووقع بما دون من لأنه مجهول بزعمهم فهو كما يقال للشبح المرئي ما هو فاذا عرف أنه من ذوي العلم قيل من هو ويحتمل أن يكون عن معنى الاسم ووقوعه بما حينئذ ظاهر وقيل : سالوا عن ذلك لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله تعالى كما يطلقون الرحيم والرحوم والراحم عليه تعالى أو لأنهم ظنوا أن المراد به غيره عز و جل فقد شاع فيما بينهم تسمية مسيلمة برحمن اليمامة فظنوا أنه المراد بحمل التعريف على العهد وقيل : لأنه كان عبرانيا وأصله رخمان بالخاء المعجمة فعرب ولم يسمعوه والأظهر عندي أن ذلك عن تجاهل وأن السؤال عن المسمى ولذا قالوا : أنسجد لما تأمرنا أي للذي تأمرنا بالسجود له من غير أن نعرفه فما موصولة