كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)
صلىصلى الله تعالى عليه وسلم فبعد ذلك لايكون اقتراح هذ الآيات الا محض استكبار وثانيها أن نزول الملائكة عليهم السلام لو حصل لكان أيضا من جملة المعجزات ولا يدل على الصدق لخصوص كونه نزول الملك بل لعموم كونه معجزا فيكون قبول ذلك ورد الآخر ترجيحا لأحد المثلين من غير مرجح وثالثهما أنهم بتقدير رؤية الرب سبحانه وتصديقه لرسوله صلى الله عليه و سلم لايستفيدون علما أزيد من تصديق المعجز إذ لافرق بين أن يقول النبي : اللهم إن كنت صادقا فأحي هذا الميت فيحييه عز و جل وبين أن يقول : إن كنت صادقا فصدقني فيصدقه فتعيين أحد الطريقين محض العناد ورابعها أن العبد ليس له أن يعترض على مولاه إما بحكم المالكية عند الاشعري أو بحكم المصلحة عند المعتزلي وخامسها أن السائل الملح المعاند الذي لايرضى بما ينعم عليه مذموم واظهار المعجز من جملة الايادي الجسمية فرد احداهما واقتراح الاخرى ليس من الادب في شيء وسادسها لعل المراد أني لوعلمت أنهم ليسوا مستكبرين وعاتين لأعطيتهم مطلوبهم لكني علمت أنهم إنما سألوا لأجل المكابرة والعناد فلا جرم لا أعطيهم وسابعها لعلهم عرفوا من أهل الكتاب أن الله تعالى لايرى في الدنيا وأنه لاينزل الملائكة عليهم السلام على عوام الخلق ثم أنهم علقوا إيمانهم على ذلك فهم مستكبرون ساخرون انتهى وفيه مالا يخلوا عن بحث
واستدلت الاشاعرة بقوله تعالى لايرجون لقاءنا على أن رؤية الله تعالى ممكنة واستدلت المعتزلة بقوله سبحانه لقد استكبروا وعتوا على أنها ممتنعة ولا يخفى ضعف الاستدلالين يوم يرون الملئكة استئناف مسوق لبيان ما يلقونه عند مشاهدة الملائكة عليهم السلام بعد استعظام طلبهم إنزالهم عليهم وبيان كونه في غاية الشناعة وإنما قيل : يوم يرون دون أن يقال يوم تنزل الملائكة ايذانا من أول الأمر بان رؤيتهم لهم ليست على طريق الاجابة إلى ما طلبوه بل على وجه آخر لم يمر ببالهم ويوممنصوب على الظرفية بما يدل عليه قوله تعالى لابشرى يومئذ للمجرمين فانه في معنى لايبشر يومئذ المجرمين والعدول إلى نفي الجنس للمبالغة في نفي البشرى فكأنه قيل لايبشرون يوم يرون الملائكة وقدر بعضهم يمنعون البشرى أو يفقدونها والأول أبعد من احتمال توهم تهوين الخطب وقدر بعضهم لابشرى قبل يوم وجعله ظرفا لذلك وجوز أبو البقاء تعلقه بيعذبون مقدرا لدلالة لابشرى الخ عليه وكونه معمولا لاذكر مقدرا قال : أبو حيان وهو أقرب
وقال صاحب الفرائد : يمكن أن يكون منصوبا بينزل مضمرا لقولهم : لولا أنزل علينا الملائكة كأنه قيل ينزل الملائكة يوم يرونهم ولا يقال : كيف يكون وقت الرؤية وقتا للانزال لأنا نقول : الظرف يحتمل ذلك لسعته واستحسنه الطيبي فقال هو قول لامزيد عليه لأنه إذا انتصب بينزل يلتئم الكلام ان لأن قوله تعالى يوم يرون الخ نشر لقوله تعالى لولا أنزل الخ وقوله سبحانه وقدمنا نشر لقوله عز و جل أو نرى ربنا ولم يجوز الأكثرون تعلقه ببشرى المذكور لكونه مصدرا وهو لايعمل متأخرا وكونه منفيا بلا ولا يعمل ما بعدها فيما قبلها ويومئذ تأكيدا للأول أو بدل منه أو خبر وللمجرمين تبيين متعلق بمحذوف كما في سقيا له أو خبر ثان أو هو ظرف لما يتعلق به اللام أو لبشرى ان قدرت منونة غير مبنية مع لا فانا لا تعمل إذ لو عمل اسم لا طال وأشبه المضاف فينتصب
وفي البحر أحتمل بشرى أن يكون مبنيا مع لا واحتمل أن يكون في نية التنوين منصوب اللفظ ومنع من الصرف والتأنيث اللازم فان كان مبنيا مع لا احتمل أن يكون الخبر يومئذ وللمجرمين خبر بعد خبر أو نعت لبشرى أو متعلق بما تعلق به الخبر وأن يكون يومئذ صفة لبشرى والخبر للمجرمين ويجيء خلاف سيبويه
الصفحة 4
220