كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

والعائد محذوف وأصل الجملة المشتملة عليه ما أشرنا اليه ثم صار تأمرنا بسجوده ثم تأمرنا سجوده كأمرتك الخير ثم تأمرناه بحذف المضاف ثم تأمرنا واعتبار الحذف تدريجيا مذهب أبي الحسن ومذهب سيبويه أنه حذف كل ذلك من غير تدريج ويحتمل أن يكون ما نكرة موصوفة وأمر العائد على ما سمعت ويجوز أن تكون مصدرية واللام تعليلية والمسجود له محذوف أو متروك أي انسجد له لأجل أمرك ايانا أو أنسجد لأجل أمرك إيانا
وقرأ ابن مسعود والاسود بن زيد وحمزة والكسائي يأمرنا بالياء من تحت على أن الضمير للنبي صلى الله عليه و سلم وهذا القول قول بعضهم لبعض وزادهم أي الأمر بالسجود للرحمن والاسناد مجازي والجملة معطوفة على قالوا أي قالوا ذلك وزادهم نفورا
6
- عن الايمان وفي اللباب أن فاعل زادهم ضمير السجود لما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم سجدوا فتباعدوا عنهم مستهزئين وعليه فليست معطوفة على جواب إذا بل على مجموع الشرط والجواب كما قيل : وفي لايستقدمون من قوله تعالى : إذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون والأول أولى وأظهر تبارك الذي جعل في السماء بروجا الظاهر أن البروج الاثنا عشر المعروفة وأخرج ذلك الخطيب في كتاب النجوم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهي في الأصل القصور العالية واطلقت عليها على طريق التشبيه لكونها للكواكب كالمنازل الرفيعة لساكنيها ثم شاع فصار حقيقة فيها وعن الزجاج أن البرج كل مرتفع فلا حاجة إلى التشبيه أو النقل واشتقاقه واشتقاقه من التبرج بمعنى الظهور والذي يقتضيه مشرب أهل الحديث أنها في السماء الدنيا ولا مانع منه عقلا لاسيما إذا قلنا بعظم ثخنها بحيث يسع الكواكب وما تقتضيه على ما ذكره أهل الهيئة وهي عندهم أقسام الفلك الأعظم المسمى على ما قيل بالعرش ولم يرد فيما أعلم اطلاق السماء عليه وان كان صحيحا لغة سميت بأسماء صور من الثوابت في الفلك الثامن وقعت في محاذاتها وقت اعتبار القسمة وتلك الصور متحركة بالحركة البطيئة كسائر الثوابت وقد قارب في هذه الأزمان أن تخرج كل سورة عما حاذته أولا وابتداؤها عندهم من نقطة الاعتدال الربيعي وهي نقطة معينة من معدل النهار لاتتحرك بحركة الفلك الثامن ملاقية لنقطة أخرى من منطقة البروج تتحرك بحركته وإذا لم يتحرك مبدأ البروج بتلك الحركة لم يتحرك ما عداها وقد جعل الله تعالى ثلاثة منها ربيعية وهي الحمل والثور والجوزاء وتسمى التوأمين أيضا وثلاثة صيفية وهي السرطان والاسد والسنبلة وتسمى العذراء أيضا وهذه الستة الشمالية وثلاثة خريفية وهي الميزان والعقرب والقوس ويسمى الرامي أيضا وثلاثة شتوية وهي الجدي والدلو ويسمى الدالي وساكب الماء أيضا والحوت وتسمى السمكتين وهذه الستة جنوبية ولحلول الشمس في كل من الاثني عشر يختلف الزمان حرارة وبرودة والليل والنهار طولا وقصرا وبذلك يظهر بحكم جري العادة في عالم الكون والفساد آثار جليلة من نضج الثمار وإدراك الزروع ونحو ذلك مما لايخفى ولعل ذلك هو وجه البركة في جعلها
وأما ما يزعمه أهل الأحكام من الآثار إذا كان شيء منها طالعا وقت الولادة أو شروع في عمل من الاعمال او وقت حلول الشمس نقطة الحمل الذي هو مبدأ السنة الشمسية في المشهور فهو محض ظن ورجم بالغيب وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك مفصلا ولهم في تقسيمها إلى مذكر ومؤنث وليلي ونهاري حار

الصفحة 40