كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وبارد وسعد ونحس إلى غير ذلك كلام طويل ولعلنا نذكر شيئا منه بعد إنشاء الله تعالى ومن أراده مستوفي فليرجع إلى كتبهم ثم الظاهر أن البروج المجعولة مما لادخل للاعتبار فيها والمذكور في كلام أهل الهيئة أنها حاصة من اعتبار فرض ستة دوائر معلومة قاطعة للعالم فيكون للاعتبار دخل فيها وان لم تكن في ذلك كأنياب الأغوال لوجود مبدأ الانتزاع فيها فان كان الأمر على هذا الطرز عند أهل الشرع بأن يعتبر تقسيم ما هي فيه إلى اثنتي عشرة قطعة وتسمى كل قطعة برجا فالظاهر أن المراد بجعله تعالى إياها جعل ما يتم به ذلك الاعتبار ويتحقق به أمر التفاوت والاختلاف بين تلك البروج وفيه من الخير الكثير ما فيه وقيل : إن في الآية إيماء إلى أن اعتبار التقسيم كان عن وحي والمشهور أن من اعتبر ذلك أولا هرمس وهو على ما قيل ادريس عليه السلام فتأمل
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أن البروج قصور على أبواب السماء فيها الحرس وقيل : هي القصور في الجنة قال الأعمش : وكان أصحاب عبد الله يقرؤن في السماء قصورا وتعقب بأنه يأباه السياق لأن اةية قد سيقت للتنبيه على ما يقوم به الحجة على الكفرة الذين لايسجدون للرحمن جل شأنه وبيان أنه المستحق للسجود ببيان آثار قدرته سبحانه وكماله جل جلاله والظاهر أن يكون ذلك بذكر أمور مدركة معلومة لهم تلك القصور ليست كذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد أنها النجوم وروي ذلك عن قتادة أيضا وعن أبي صالح تقييدها بالكبار وأطلق عليها ذلك لعظمها وظهورها لاسيما التي من أول المراتب الثلاثة للقدر الأول من الأقدار الستة
وأنت تعلم أنه لم يعهد إطلاق البروج على النجوم فالأولى أن يراد بها المعنى الأول المروي عن ابن عباس الذي هو أظهر من الشمس وجعل فيها أي في السماء وقيل : في البروج سراجا هي الشمس كقوله تعالى : وجعل الشمس سراجا وقرأ عبد الله وعلقمة والأعمش والاخوان سرجا بالجمع مضموم الراء وقرأ الأعمش أيضا والنخعي وابن ثابت كذلك إلا أنهم سكنوا الراء وهو على ما قيل من قبيل إن إبراهيم كان أمة لأن الشمس لعظها وكمال إضاءتها لأنها سرج كثيرة أو الجمع باعتبار الأيام والمطالع وقد جمعت لهذين الأمرين في قول الشاعر :
لمعان برق أو شعاع شموس
وعلى هذا القول تتحد القراءتان وقال بعض الأجلة : الجمع على ظاهره والمراد به الشمس والكواكب الكبار ومنهم من فسره بالكواكب الكبار واعترض على الأول بأنه يلزم تخصيص القمر بالذكر في قوله تعالى : وقمرا منيرا
16
- بعد دخوله في السرج والمناسب تخصيص الشمس لكمال مزيتها على ما سواها ورد بأنه بعد تسليم دخوله في السرج خص بالذكر لأن سنيهم قمرية ولذا يقدم الليل على النهار وتعتبر الليلة لليوم الذي بعدها فهم أكثر عناية به مع أنه على ماذكره يلزمه ترك ذكر الشمس وهي أحق بالذكر من غيرها والاعتذار عنه بأنها لشهرتها كأنها مذكورة ولذا لم تنظم مع غيرها فد قرن لايجدي والقمر معروف ويطلق عليه بعد الليلة الثالثة إلى آخر الشهر قيل : سمي بذلك لأنه يقمر ضوء الكواكب وفي الصحاح لبياضه وفي وصفه ما يشعر بالاعتناء به وعلى الفرق المشهور بين الضوء والنور يكون في وصفه بمنيرا دون مضيئا إشارة إلى أن ما يشاهد فيه مستفاد

الصفحة 41