كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

منمن غيره وهو الشمس بل قال غير واحد : إن نور جميع الكواكب مستفاد منها وإن لم يظهر اختلاف تشكلاته بالقرب والبعد منها كما في نور القمر
وقرأ الحسن والاعمش والنخعي وعصمة عن عاصم وقمرا بضم القاف وسكون الميم واستظهر أبو حيان أنه لغة في القمر كالرشد والرشد والعرب والعرب وقيل : هو جمع قمراء وهي الليلة المنيرة بالقمر والكلام على حذف مضاف أي وذا قمر أي صاحب ليل قمر والمراد بهذا الصاحب القمر نفسه ويكون قوله سبحانه : منيرا صفة لذلك المضاف المحذوف لأن المحذوف قد يعتبر بعد حذفه كما في قول حسان رضي الله تعالى عنه :
بردى يصفق بالرحيق السلسل
فانه يريد ماء بردى ولذا قال يصفق بالياء من تحت ولو لم يراع المضاف لقال تصفق بالتاء وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة أي ذوي خلفة يخلف كل منهما الآخر بأن يقوم مقامه فيما ينبغي أي يعمل فيه وروي هذا عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقيل : بأن يعقبه ويجيء بعده وهو اسم للحالة من خلف كالركبة والجلسة من ركب وجلس ونصبه على أنه مفعول ثان لجعل أو حال إن كان بمعنى خلق وجعله بعضهم بمعنى اختلافا والمراد الاختلاف في الزيادة والنقصان كما قيل أو في السواد والبياض كما روي عن مجاهد أو فيما يعم ذلك وغيره كما هو محتمل وفي البحر يقال : بفلان خلفة واختلاف إذا اختلف كثيرا إلى متبرزه ومن هذا المعنى قول زهير : بها العين والآرام يمشين خلفه واطلاؤها ينهضن من كل مجثم وقول الآخر يصف امرأة تنتقل من منزل في الشتاء إلى منزل في الصيف دأبا : ولها بالماطون إذا أكل النمل الذي جمعا خلفة حتى إذا ارتفعت سكنت من جلق بيعا في بيوت وسط دسكرة حولها الزيتون قد نبعا انتهى وجوز عليه أن يكون المراد يذهب كل منهما ويجيء كثيرا واعتبار المضاف المقدر على حاله وكذا فيما قبله وفي القاموس الخلف والخلفة بالكسر المختلف وعليه لاحاجة إلى تقدير المضاف والمعنى جعلهما مختلفين والافراد لكونه مصدرا في الأصل لمن أراد أن يذكر أي ليكونا وقتين للمتذكر من فاته ورده من العبادة في أحدهما تداركه في الآخر وروي هذا عن جماعة من السلف وروى الطيالسي وابن أبي حاتم أن عمر رضي الله تعالى عنه أطال صلاة الضحى فقيل له : صنعت شيئا لم تكن تصنعه قال : إنه بقي علي من وردي شيء فأحببت ان أتمه أو قال : أقضيه وتلا هذ الآية وكأن التذكر مجاز عن اداء ما فات وهو مما يتوقف الاداء عليه وفي الكلام تقدير كما أشير اليه ويجوز أن يكون تقدير معنى لا إعراب أو أراد شكورا
26
- أن يشكر الله تعالى باداء نوع من العبادة لم يكن وردا له وفي مجمع البيان المعنى لمن أراد النافلة بعد أداء الفريضة ويجوز أن يكون المعنى لمن أراد أن يتذكر ويتفكر في بدائع صنع الله تعالى فيعلم أنه لابد لما ذكر من صانع حكيم واجب الذات ذي الرحمة على العباد أو أراد أن يشكر الله سبحانه على ما فيهما من النعم وهو وجه حسن يكاد لايلتفت لغيره لو لم يكن مأثورا والظأهر أن اللام على هذا صلة جعل ولما كان ظهور فائدة ذلك لمن أراد التذكر أو أراد الشكر اقتصر عليه وجوز أن تكون للتعليل و أو للتنويع على معنى الاشتمال على

الصفحة 42