كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

أنه عربي بمعنى اللين والرفق وفسره الراغب بتذلل الانسان في نفسه لما لايلحق به غضاضة وهو الممدوح ومنه الحديث المؤمن هين لين والظاهر بقاء المشي على حقيقته وأن المراد مدحهم بالسكينة والوقار فيه من غير تعميم نعم يلزم من كونهم يمشون كذلك أنهم هينون لينون في سائر أمورهم بحكم العادة على ما قيل
واختار ابن عطية أن المراد مدحهم بعدم الخشونة والفظاظة في سائر أمورهم وتصرفاتهم والمراد أنهم يعيشون بين الناس هينين في كل أمورهم وذكر المشي لما أنه انتقال في الأرض وهو يستدعي معاشرة الناس ومخالطتهم واللين مطلوب فيها غاية الطلب ثم قال : وأما أن يكون المراد مدحهم بالمشي وحده هونا فباطل فكم ماش هونا رويدا وهو ذئب أطلس وقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم يتكفأ في مشيته كانما يمشي في صبب وهو عليه الصلاة و السلام الصدر في هذه الآية وفيه بحث من وجهين فلا تغفل وقرأ اليماني والسلمي يمشون مبنيا للمفعول مشددا وإذا خاطبهم الجاهلون أي السفهاء وقليلو الأدب كما في قوله : ألا لايجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا قالوا سلاما
36
- بيان لحالهم في المعاملة مع غيرهم إثر بيان حالهم في أنفسهم أو بيان لحسن معاملتهم وتحقيق للينهم عند تحقق ما يقتضي خلاف ذلك إذا خلي الانسان وطبعه أي إذا خاطبوهم بالسوء قالوا تسلما منكم ومتاركة لاخير بيننا وبينكم ولا شر فسلاما مصدر أقيم مقام التسليم وهو مصدر مؤكد لفعله المضمر والتقدير نتسلم تسلما منكم والجملة مقولة القول وإلى هذا ذهب سيبويه في الكتاب ومنع أن يراد السلام المعروف بأن الآية مكية والسلام في النساء وهي مدنية ولم يؤمر المسلمون بمكة أن يسلموا على المشركين
وقال الاصم : هو سلام توديع لاتحية كقول ابراهيم عليه السلام لأبيه سلام عليك ولا يخفى أنه راجع إلى المتاركة وهو كثير في كلام العرب وقال مجاهد : المراد قالوا قولا سديدا
وتعقب بأن هذا تفسير غير سديد لأن المراد ههنا يقولون هذه اللفظة لا أنهم يقولون قولا ذا سداد بدليل قوله تعالى سلام عليكم لانبتغي الجاهلين ورده صاحب الكشف بان تلك الآية لاتخالف هذا التفسير فان قولهم سلام عليكم من سداد القول أيضا كيف والظاهر أن خصوص اللفظ غير مقصود بل هو أو مايؤدي مؤداه أيضا من كل قول يدل على المتاركة مع الخلوعن الاثم واللغو وهو حسن لاغبار عليه
وفي بعض التواريخ كما في البحر أن ابراهيم بن المهدي كان منحرفا عن علي كرم الله تعالى وجهه فرآه في النوم قد تقدم إلى عبور قنطرة فقال له : إنما تدعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك فحكى ذلك على المأمون ثم قال : ما رأيت له بلاغة في الجواب كما يذكر عنه فقال له المأمون : فما أجابك به قال : كان يقول لي : سلاما سلاما فقال المأمون : يا عم قد أجابك بأبلغ جواب ونبهه على هذه الآية فخزى ابراهيم واستحيى عليه من الله تعالى ما يستحق والظاهر أن المراد مدحهم بالاغضاء عن السفهاء وترك مقابلتهم في الكلام ولا تعرض في الآية لمعاملتهم مع الكفرة فلا تنافي آية القتال ليدعي نسخها بها لأنها مكية وتلك مدنية ونقل عن أبي العالية واختاره عطية أنها نسخت بالنظر إلى الكفرة بآية القتال
وقوله تعالى والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما
46
- بيان لحالهم في معاملتهم مع ربهم وكان الحسن إذا قرأ ما تقدم يقول : هذا وصف نهارهم وإذا قرأ هذه قال : هذا وصف ليلهم والبيتوتة أن يدركك الليل

الصفحة 44