كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

بفتحبفتح الميم أي مكان قيام 0 والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا أي لم يتجاوزوا حد الكرم ولم يقتروا أي ولم يضيقوا تضييق الشحيح وقال أبو عبد الرحمن الحبلي : الاسراف هو الانفاق في المعاصي والقتر الامساك عن طاعة وروي نحو ذلك عن ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقال عون بن عبد الله بن عتبة : الاسراف أن تنفق مال غيرك
وقرأ الحسن وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم يقتروا بفتح الياء وضم التاء ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكسر التاء ونافع وابن عامر بضم الياء وكسر التاء وقرأ العلاء ابن سبابة واليزيدي بضم الياء وفتح القاف وكسر التاء مشددة وكلها لغات في التضييق وأنكر أب حاتم لغة أقتر رباعيا هنا وقال : إنما يقال أقتر ومنه وعلى المقتر قدره وغاب عنه ما حكاه الاصمعي وغيره من أقتر بمعنى ضيق وكان انفاقهم بين ذلك المذكور من الاسراف والقتر قواما
76
- وسطا وعدلا سمي به لاستقامة الطرفين وتعادلهما كأن كلا منهما يقاوم الآخر كما سمي سواء لاستوائهما وقرأ حسان قواما بكسر القاف فقيل : هما لغتان بمعنى واحد وقيل : هو بالكسر ما يقام به الحاجة لايفضل عنها ولا ينقص وهو خبر ثان لكان مؤكد للاول وهو بين ذلك أو هو خبر و بين ذلك إما معمول لكان على مذهب من يرى أن كان الناقصة تعمل في الظرف وإما حال من قواما لأنه لو تأخر لكان صفة وجوز أن يكون ظرفا لغوا متعلقا به أو بين ذلك هو الخبر و قواما حال مؤكدة وأجاز الفراء أن يكون بين ذلك اسم كان وبني لاضافته إلى مبني كقوله تعالى ومن خزي يومئذ فد قراة من فتح الميم ومنه قول الشاعر : لم يمنع الشرب منها أن نطقت حمامة في غصون ذات أوقال وتعقبه الزمخشري بأنه من جهة الاعراب لابأس به ولكن المعنى ليس بقي لأن ما بين الاسراف والتقتير قوام لامحالة فليس في الخبر الذي هو معتمد الفائدة فائدة وحاصله أن الكلام عليه من باب كان الذاهب جاريته صاحبها وهو غير مفيد ولا يخفى أنه غير وارد على قراءة قواما بالكسر على القول الثاني فيه وعلى غير ذلك متجه وما قيل من أنه من باب شعري شعري والمعنى كان قواما معتبرا مقبولا غير مقبول لأنه من بعده إنما ورد فيما أتحد لفظه وما نحن فيه ليس كذلك وكذا ما قيل : بين ذلك أعم من القوام بمعنى العدل الذي يكون نسبة كل واحد من طرفيه اليه على السواء فان ما بين الاقتار والاسراف لايلزم أن يكون قواما بهذا المعنى إذ يجوز أن يكون دون الاسراف بقليل وفوق الاقتار بقليل فانه تكلف أيضا إذ ما بينهما شامل لحاق الوسط وما عداه كالوسط من غير فرق ومثله لايستعمل في المخاطبات لالغازه وقيل : لأنه بعد تسليم جواز الاخبار عن الأعم بالأخص يبعد أن يكون مدحهم بمراعاة حاق الوسط مع ما فيه من الحرج الذي نفي عن الاسلام وفيه أنه لاشك في جواز الاخبار عن الأعم بالاخص نحو الذي جاءني زيد والقائل لم يرد إلحاق الحقيقي بل التقريبي كما يدل عليه قوله بقليل ولا حرج في مثله فتأمل
ولعل الاخبار عن انفاقهم بما ذكر بعد قوله تعالى : إدا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا المستلزم لكون

الصفحة 46