كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

إنفاقهم كذلك للتنصيص على أن فعلهم من خير الامور فقد شاع خير الأمور أوساطها والظاهر أن المراد بالانفاق ما يعم إنفاقهم على أنفسهم وإنفاقهم على غيرها والقوام في كل ذلك خير وقد أخرج أحمد والطبراني عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من فقه الرجل رفقه في معيشته
واخرج ابن ماجة في سننه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ان من السرف أن تأكل ما اشتهيت وحكي عن عبد الملك بن مروان أنه قال لعمر بن عبد العزيز عليه الرحمة حين زوجه ابنته فاطمة ما نفقتك فقال له عمر : الحسنة بين السيئتين ثم تلا اةية وقد مدح الشعراء التوسط في الأمور والاقتصاد في المعيشة قديما وحديثا ومن ذلك قوله : ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم وقول حاتم : إذا أنت قد أعطيت بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا وقول الآخر : إذا المرء أعطى نفسه كا ما اشتهت ولم ينهها تاقت إلى كل باطل وساقت اليه الاثم والعار بالذي دعته اليه من حلاوة عاجل إلى غير ذلك والذين لايدعون مع الله إلها ءاخر أي لايشركون به غيره سبحانه
ولايقتلون النفس التي حرم الله أي حرمها الله تعالى بمعنى حرم قتلها لأن التحريم إنما يتعلق بالافعال دون الذوات فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه مبالغة في التحريم إلا بالحق 9 متعلق بيقتلون والاستثناء مفرغ من أعم الأسباب أي لايقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق المزيل لحرمتها وعصمتها كالزنا بعد الاحصان والكفر بعد الايمان وجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي لايقتلونها نوعا من القتل إلا قتلا متلبسا بالحق وأن يكون حالا أي لايقتلونها في حال من الاحوال إلا حال كونهم ملتبسين بالحق
وقيل : يجوز أن يكون متعلقا بالقتل المحذوف والاستثناء أيضا من أعم الاسباب أي لايقتلون النفس التي حرم الله تعالى قتلها بسبب من الاسباب إلا بسبب الحق ويكون الاستثناء مفرغا في الاثبات لاستقامة المعنى بارادة العموم أو لكون حرم نفيا معنى ولا يخفى ما فيه من التكلف ولا يزنون ولا يطؤن فرجا محرما عليهم والمراد من نفي القبائح العظيمة التعريض بما كان عليه اعداؤهم من قريش وغيرهم وإلا فلا حاجة اليه بعد وصفهم بالصفات السابقة من حسن المعاملة وإحياء الليل بالصلاة ومزيد خوفهم من الله تعالى لظهور استدعائها نفي ما ذكر عنهم ومنه يعلم حل ما قيل الظاهر عكس هذا الترتيب وتقديم التخلية على التحلية فكانه قيل : والذين طهرهم الله تعالى وبرأهم سبحانه مما أنتم عليه من الاشراك وقتل النفس المحرمة كالموؤدة والزنا
وقيل : إن التصريح بنفي الاشراك مع ظهور إيمانهم لهذا أو لاظهار كمال الاعتناء والاخلاص وتهويل أمر القتل والزنا بنظمهما في سلكه وقد صرح من رواية البخاري ومسلم والترمذي عن ابن مسعود قال : سالت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي الذنب أكبر قال أن تجعل لله تعالى ندا وهو خلقك قلت : ثم أي قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت : ثم أي قال : أن تزاني حليلة جارك فانزل الله تعالى تصديق ذلك والذين يدعون مع الله إلها آخر الآية

الصفحة 47