كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وأخرجوأخرج الشيخان وابو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ناسا من أهل الشرك قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمدا صلى الله عليه و سلم فقالوا إن الذي تقول وتدعوا اليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت والذين يدعون مع الله إلها آخر الآية ونزلت قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية
وقد ذكر الامام الرازي أن ذكر هذا بعد ما تقدم لأن الموصوف بتلك الصفات قد يرتكب هذه الأمور تدينا فبين سبحانه أن المكلف لايصير بتلك الخلال وحدها من عباد الرحمن حتى ينضاف إلى ذلك كونه مجانبا لهذ الكبائر وهو كما ترى وجوز أن يقال في وجه تقديم التحلية على التخلية كون الاوصاف المذكورة في التحلية أوفق بالعبودية التي جعلت عنوان الموضوع لظهور دلالتها على ترك الانانية ومزيد الانقياد والخوف والاقتصاد في التصرف بما أذن المولى بالتصرف فيه ولا يأبى هذا قصد التعريض بما ذكر في التخلية ويؤيد هذا القصد التعقيب بقوله عز و جل ومن يفعل ذلك يلق أثاما
86
- أي ومن يفعل ما ذكر يلق في الآخرة عقابا لايقادر قدره وتفسير الأثام بالعقاب مروي عن قتادة وابن زيد ونقله أبو حيان عن أهل اللغة وأنشد قوله : جزى الله ابن عروة حيث أمسى عقوقا والعقوق له جزاء أخرج ابن الانباري عن ابن عباس أنه فسره لنافع بن الأزرق بالجزاء وأنشد قول عامر بن الطفيل : وروينا الأسنة من صداه ولاقت حمير منا أثاما والفرق يسير : وقال أبو مسلم الاثام الاثم والكلام عليه على تقدير مضاف أي جزاء أثام أو هو مجاز من ذكر السبب وارادة المسبب وقال الحسن : هو اسم من أسماء جهنم وقيل : اسم بئر فيها وقيل : اسم جبل
وروى جماعة عن عبد الله بن عمر ومجاهد أنه واد في جهنم وقال مجاهد : فيه قيح ودم
واخرج ابن المبارك في الزهد عن شفى الاصبحي أن فيه حيات وعقارب في فقار إحداهن مقدار سبعين قلة من سم والعقرب منهن مثل البغلة الموكفة وعن عكرمة اسم لأودية في جهنم فيها الزناة وقريء يلق بضم الياء وفتح اللام والقاف مشددة وقرأ ابن مسعود وابو رجاء يلقى بالف كان نوى حذف الضمة المقدرة على الألف فاقرت الألف وقرأ أبو مسعود أيضا أياما جمع يوم يعني شدائد واستعمال الأيام بهذا المعنى شائع ومنه يوم ذو أيام وأيام العرب لوقائعهم ومقاتلتهم يضاعف له العذاب يوم القيامة بدل من يلقبدل كل من كل أو بدل اشتمال وجاء الابدال من المجزوم بالشرط في قوله : متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا ويخلد فيه أي في العذاب المضاعف مهانا
96
- ذليلا مستحقرا فيجتمع له العذاب الجسماني والروحاني وقرأ الحسن وأبو جعفر وابن كثير يضعف بالياء والبناء للمفعول وطرح الألف والتضعيف
وقرأ شيبة وطلحة بن سليمان وأبو جعفر أيضا نضعف بالنون مضمومة وكسر العين مضعفة و العذاب بالنصب وطلحة بن مصرف يضاعف مبنيا للفاعل و العذاب بالنصب وقرأ طلحة بن سليمان وتخلد بتاء الخطاب على الالتفات المنبيء عن شدة الغضب مرفوعا وقرأ أبو حيوة وتخلد مبنيا للمفعول مشدد اللام مجزوما ورويت عن أبي عمرو وعنه كذلك مخففا وقرأ ابو بكر عن عاصم يضاعف ويخلد بالرفع فيهما وكذا ابن عامر والمفضل عن عاصم يضاعف ويخلد مبنيا للمفعول مرفوعا مخففا والأعمش

الصفحة 48